الجمعة، 2 أبريل 2021

القس المبشر دنلوب وتغريب التعليم في مصر



يعد "دنلوب" واضع المخطط الأساسي لتغريب التعليم والتربية وإقصاء الإسلام عن برامج التعليم في المدرسة المصرية، باعتبار أن التعليم والتربية لها أكبر الأثر في مخطط التغريب والشعوبية والتبشير والاستشراق إن لم تكن هي جوهر هدف الاستعمار الأساسي.

فإن خلق طبقة من المتفرنجة الذين ينكرون الدين والخلق معًا (الإلحاد والإباحية) هو عمل أساسي فعلى هؤلاء يعتمد الاستعمار مستقبلاً في تنفيذ مخططه، وتكوين ركائزه التي يعتمد عليها بعد جلاء القوات المحتلة، وقد قام دنلوب بدور كبير في تعميق مخطط التغريب وهدم مقومات الفكر الإسلامي، وكان أبرز ما عمل له: نزع اعتقاد الشباب المسلم في القرآن وكان مذهبه "متى توارى القرآن ومدينة مكة من بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة".

وكان دوجلاس دنلوب قد عين سكرتيرًا عموميًا للمعارف في 8 مارس سنة 1897 ثم مستشارًا في 24 مارس سنة 1906، وقد كان في أول أمره قسًا مبشرًا عمل في وظيفة مدرس للغة الإنجليزية والخط الإفرنجي في مدرسة رأس التين الثانوية ثم لفت نظر كرومر فدفعه إلى العمل في نظارة المعارف فما زال يترقى به حتى أصبح مسيطرًا سيطرة تامة على شئون التربية والتعليم.

ولد دنلوب في اسكوتلانده 1860 وتخرج من القسم اللاهوتي في إحدى كلياتها، وجاء إلى مصر مبشرًا 1889 وعين مدرسًا في مدرسة سنت أندرو التابعة للمجتمع التبشيري لاسكوتلانده بمرتب فرنكات معدودات، وسعى لدى كرومر بمساعدة السير فونكريف وكيل الأشغال حتى عين مدرسًا للغة الإنجليزية في مدرسة المهندسخانة فالمعلمين الخديوية.

- وكانت أبرز أعمال دنلوب:

1 - العمل على محاربة اللغة العربية والإسلام والأزهر لذلك عمل على اضطهاد معلمي اللغة العربية من الأزهريين.

2 - نشر لواء اللغة الإنجليزية وتأهيلها للسيطرة الكاملة على كل شئون التعليم، وبذلك أمكنه القضاء على نفوذ اللغة العربية ولقد مضى في ذلك إلى حد أنه جعل تعليم سائر العلوم كالرياضيات والتاريخ، والكيمياء والجغرافيا والرسم باللغة الإنجليزية، وضيق على اللغة العربية تضييقًا كبيرًا.

ومما يذكر أنه كان يسافر كل صيف إلى بريطانيا ثم يعود في أول العام الدراسي، وقد استقدم معه عددًا كبيرًا من الإنجليز حملة الشهادات الأهلية الذين كانوا يعينون بمرتب لا يقل على ثلاثين جنيهًا، وقد اختارهم بنفسه، وقد كان أبرز كتابات هؤلاء المدرسين الكراهية للغة العربية والعداء للحرية، ومحاولة تحطيم آمال الأمة العربية وتغريب التلاميذ واتهام تاريخ العرب والمسلمين وإثارة الشكوك حوله، واتهام الحضارة الإسلامية العربية بالاتهامات المختلفة وذلك لخلق شعور عام بكراهية هذه الأمجاد والنفور منها والسخرية بها، وكانوا يطعنون روح الوطنية في الشباب والقضاء على حماستهم وتهديدهم، وكانوا يصفون الأمة بأنها نصف متحضرة، وقد داسوا على كل عاطفة وطنية واضطهدوا كل شاب أظهر ميلاً أو عاطفة نحو دين أو وطن وأنشئوا نظامًا من التجسس في المدارس يطاردون به الشباب الوطني، وكان محرمًا على كل أستاذ مصري أن يتحدث عن تاريخ مصر أو تاريخ الإسلام بما يبرز عظمة أمتنا، وكان أهم ما يقال إذ ذاك أن مصر بلد زراعي، وأنها ظلت محتلة طوال تاريخها بالفرس والرومان والأتراك والعرب. 
وأنها لن تحكم نفسها أبدًا، وأن جيشها قد هزم في التل الكبير وأن الجنود المصريين ذبحوا ليلة 14 سبتمبر 1882 التي كانت قمرية كما يذبح الخراف وكان محرمًا أن تقرأ جريدة وطنية أو تاريخ الإسلام أو العربية.

وقد قاوم (دنلوب) بنشر التعليم العالي في مصر وقد سجل ذلك كرومر في تقريره سنة 1907 "أن إنجلترا لا تريد نشر التعليم العالي في مصر، وأنها لا تريد إلا إعداد جمهور من طبقة الأفندية ليشغلوا الوظائف الثانوية في الحكومة وأن المصريين لا يصلحون للعلوم العالية، وأن زيادة التعليم تصرف عن فلاحة الأرض وتعود على مصر بالإفلاس".

وقد حرص دنلوب بتوجيه كرومر وبريطانيا على تنفيذ خطة واضحة المعالم للعمل على وقف انتشار التعليم أو ترقيته وسبيلهم إلى ذلك تقليل اعتمادات المعارف، وصرف أغلب المبالغ المعتمدة في بناء القصور المشيدة واقتناء الأثاث الفاخر للمدارس.
وكان دنلوب منفذ هذه السياسة يقول: "إن سياستي في التعلم هي الجودة لا الكثرة"، وهذه مغالطة واضحة.
وكان دنلوب يعمل على قلب المدارس الابتدائية إلى أولية راقية اكتفاء بالمدارس الأميرية في كل مديرية، كما شجع انتشار المدارس الأجنبية وفق غايات سياسية تسير في نفس الاتجاه الاستعماري، وهم بتحطيم كيان الأمة وإفساد معنويتها.

وحرص دنلوب على معاملة الطلبة الوطنيين بمنتهى القسوة فعدل في 1910 المادتين 88 و100 من قانون نظام المدارس بفرض عقوبات على التلاميذ، وفصل كل تلميذ لا يحصل على 20 درجة في السلوك واتخذ من ذلك القانون سلاحًا لخنق الشعور بالحرية وقد سجل مسيو (إدوار لامبير) ناظر مدرسة الحقوق في تقريره الذي نشره في جريدة الطان 1907 بعد أن أبعده كرومر ودنلوب صورة الصراع بين الفرنسيين والإنجليز على المناصب الكبرى في التربية والتعليم وكشف عن الخطة التي رسمها كرومر ونفذها دنلوب في إقصاء الفرنسيين عن المناصب الكبرى في المدارس العالية وتعيين إنجليز بدلاً منهم، دون أن يكونوا في مستواهم من الناحية الفنية، وأنه قد أخرج الأساتذة الفرنسيين من القضاة من مدرسة الحقوق واستبدل بهم شبانًا من الإنجليز عينوا بمجرد تخرجهم من الكليات البريطانية دون أن يكون لهم أي قدر من الكفاية التي تمكنهم من دراسة القانون.

كما أشار إلى الأنظمة الاستبدادية التي اتخذها بالنسبة للطلبة، وكيف عاملهم بقسوة متناهية، واضطهدهم وجرح كرامتهم، مما أحال مدرسية الحقوق معقلاً للوطنية المصرية بحيث أصبح كل طلابها الأربعمائة تابعين للحزب الوطني.
وأن كرومر حين اضطر تحت ضغط الرأي العام إلى تعيين سعد زغلول ناظرًا للمعارف، وعمل على سلب سلطته الفعلية وأشار إلى الخطط التي كان دنلوب يدبرها مع نظار المدارس وكبار الموظفين للاتصال به شخصيًا وتلقى أوامره وتعليماته قبل أن يكتبوا تقاريرهم الرسمية.
وقال لامبير في تقريره: إن الموظف القابض على الإدارة الحقيقية لوزارة المعارف دوجلاس دنلوب.

وفي ظل هذه الفترة التي قضاها دنلوب في وزارة المعارف وقد امتدت إلى عام 1930، ثم تبعه خليفة له في تنفيذ خطة التغريب الكاملة للتعليم على النحو الذي استمر يشق طريقه من بعد، وكان هدف هذا المخطط أساسًا هو تغريب ثقافتنا ومحاولة تدمير شخصيتنا العربية وإحالتها إلى مزيج مضطرب من نتف الثقافات المختلفة ومحاولة التشكيك في عظمة تراثنا الفكري وأمجادنا العربية وتاريخنا الباهر الحافل بالمواقف الخالدة في الدفاع عن الحرية ومقامة الغالب والمشاركة في الحضارة والمدنية وحماية آثارها والإضافة إليها وكان هدف التعليم أساسًا تخريج موظفين، وأدوات، وليس التثقيف العام. 

وقد أبطل دنلوب عديدًا من الكتب المقررة؛ لأنها تتحدث عن القيم العربية الإسلامية وقد كشفت جريدة المؤيد (25 يوليو 1899) عن نماذج من هذا العمل، وقالت: إن هذه الكتب غير موافقة لهدفه من الوجهتين الدينية والسياسية، وذلك بإيرادها قواعد الإسلام، وأركانه مصحوبة بالحكم والآيات والقرآن والأحاديث التي تحث على حب الوطن والتعاون وإصلاح ذات البين، وفي سبيل شجب هذه الكتب أعلن دنلوب أن مثل هذه الكتب غير وافية بحاجات التعليم وأوعز إلى بعض المدرسين الموالين له بأن يضعوا كتبا بديلة لها، تضم بعض خرافات لافونتين، وفي عبارة سقيمة وأسلوب نازل، وأشارت المؤيد إلى أن الشيخ حمزة فتح الله ناضل في سبيل إحباط رأيه، فأعلن دنلوب أن كتب المطالعة يجب أن تكون مجردة خالية من كل ما له مساس بالدين".

ومثل هذا حدث مع عبد العزيز جاويش الذي عاد من بريطانيا بعد الدراسة وقد ناقش دنلوب في منهج مدرسة المعلمين وكان رأيه أن يكون المنهج عامًا واحدًا، فاعترض جاويش، وقال: إن في مدرسة المعلمين في بريطانيا برنامجًا من أربع سنوات فأشار دنلوب إلى أن مدرسة المعلمين تهدف إلى تخريج مدرسين يؤدون واجبًا محدودًا لا يزيد عن إعداد موظفين. 
كان ذلك متمشيًا مع قول كرومر: "عقل بريطاني وأيد مصرية".

وقد واجهت مؤلفات عبد العزيز جاويش نفس مصير مؤلفات علي مبارك وعبد الله فكري فقد أقصيت فعلاً وأُلفت كتب أخرى بدلاً منها تحقق هدف (دنلوب) وهدف التغريب أساسًا.

ولم يجد (دنلوب) قبولاً لعمله ومخططه فقد ظلت الصحف الوطنية توالي مهاجمته وقد تعرضت له اللواء في 9 أكتوبر سنة 1907 فقالت: إن المصريين يعلمون أن دنلوب هو أقول آلة وضعها اللورد كرومر لتعطيل التعليم في مصر وأكبر مقاوم لرقي البلاد من باب المعارف، ومحاولة سد الطرق التي يرقى بها، وأنه يستعمل كل ما أوتي من سلطة وقوة لمحاربة المصريين حتى بالسطو على ذمم الموظفين معه لتجد من ضعفها قوة ومن التلاعب بها السلاح القاتل للأمة".

وقد أبطل دنلوب عام 1988 كتاب علي مبارك وعبد الله فكري "طرق الهجاء"؛ لأنه تحدث فيه عن الفضائل الإسلامية، ورأى أن هذا الكتاب غير موافق لغرضه من الوجهتين الدينية والسياسية بإيراده قواعد الإسلام وأركانه بالحكم والآيات والأحاديث التي تحث على حب الوطن وتعاونه وإصلاح ذات البين وكان هذا الكتاب مقررًا منذ عام 1894 ولكنه بمكره أعلن أن هذا الكتاب غير واف بحاجات التعليم وأوعز إلى بعض أوليائه من المدرسين أن يضع كتابًا يتفق مع المواصفات الاستعمارية فألف الكتاب الجديد حافلاً بخرافات لافونتين في أسلوب سقيم وعبارة نازلة.

كما ألغى دنلوب الباب الوارد في المنهج تحت عنوان العقائد والعبادات الإسلامية، وناضل الشيخ حمزة فتح الله في سبيل إحباط رأيه فكان من قول دنلوب أن كتب المطالعة يجب أن تكون خالية من كل ما له مساس بالدين.

___________________

أعلام وأقزام في ميزان الإسلام 2 / 429 إلى 434
جمع وترتيب: أبو التراب سيد بن حسين بن عبد الله العفاني
الناشر: دار ماجد عسيري للنشر والتوزيع، جدة - السعودية
الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2004 م

الجمعة، 5 مارس 2021

الأفلام المرسومة ( الكرتونية ) ... إلى أين ؟



أحمد محمد علي صوان

كل الأطفال يحبون الحلوى على اختلاف مسمياتها، وتجذبهم ألوانها ودعايتها، ولو طلب منك ابنك حلوى مكشوفة في الشارع يحلّق فوقها الذباب ويقع، لسهل عليك إقناعه بالانصراف عنها إلى محل نظيف مأمون، فالبديل متوافر، بل هو كثير كثير، ولن تستجيب لطلبه؛ لأنه لا يعرف الصّالح له، لكن الأمر مختلف تماماً إذا تعلّق ابنك بفِلْم مرسوم شاهد دعايته، أو حدّثه عنه صديقه أو أعاره إياه أو غير ذلك. نعم، ليسا سواء، فهنا - أي أمام الرسوم المتحركة التي تحوِّم فوقها مُعطيات فاسدة غالبًا- سيُسقط في يدك، أتدري لماذا؟ 
لأن البديل عزيز نادر، هذا إن كنا نعرف الصالح من الفاسد في هذه الأفلام.

يشهد الواقع أنّ ما يطلبه الأبناء من الأفلام مُحقّق لهم ومُوفَّر، لكنَّ ما يشاهدونه في القنوات الفضائية لا يناقشه الوالدان، ولا يلفت نظرهما؛ لأنَّ فترة الأطفال ساعة أو ساعتان أو ساعات هي حق لهم، وهما - الوالدان - في هذه الفترة منهمكان في تلبية مطالب الحياة الأسرية! 
ولو سألت أحد الآباء أو إحدى الأمهات عن سبب ترك فِلْذات أكبادهم وقتًا طويلاً أمام هذه الرسوم المتحرِّكة لكانت الإجابة: "دعهم في مرح وتسلية، فلا شيء فيها" وآخر يقول: "لا شك أن فيه خطورة، ولكن ليس في وسعي فعل شيء"، وهلمّ جراً من هذه الإجابات الاستسلامية الساذجة.
إنّنا إن كنا ندري ما في هذه الأفلام من طامَّات كبرى خطيرة، ولا نُحَرِّك ساكنًا، فتلك مصيبة، و إذا كنا لا ندري، فالمصيبة أعظم!

لا شكَّ أنَّ حرصنا على نمو أجساد أبنائنا وبناتنا نموًا سليمًا له الأولوية، لكنَّها تربيةٌ ماديَّةٌ تُفرزها الحياة الحديثة الوافدة المستوردة، و لا يصح أنْ يَقِلَّ اهتمامنا بما يشاهدونه ويسمعونه عن اهتمامنا بأكلهم وشربهم، بل الأُولى آكد وأَولى، صحيح كله أكل، ولكن شتان ما بين أكل يذهب إلى المعدة، وبين أكل يذهب إلى العقل والوجدان! 
وصغير الإنسان إذا لم نَتَعَهَّدْه بالتربية والرعاية الدينية والثقافية والأخلاقية فلن يختلف كثيرًا عن صغير الحيوان! 
بل قد يتفوق صغير الحيوان عليه إذا لم نرع الطفل - الذي خلقه الله على الفطرة - حقَّ رعايته واتقينا الله فيه.

في هذه المرحلة الخطيرة من حياة الإنسان تتشكل شخصية الطفل، ويتلاءم سلوكه و مطالب المجتمع الجيِّد، و تعديل سلوكه - إنْ ظهر في سلوكه خطأ ما - سَهْل ميسور، فلنبادر إلى رعاية سليمة لهذه العقول الغضة الطرية والأغصان الندية قبل أن تيبس وتتحجر، وعند ذلك لن نستطيع أن نُقَوِّمَ الخشب، فهل ندع أعزّ ما نملك ريشة في مهب الريح؟ 
ألم يحن الوقت لِصَحوة ترفض التبعية البَكْمَاء بعيدًا عن الحِكمة و التَبَصُّر؟!

ها هم أُولاء أطفالنا يُمْطَرُون يوميًا بوابل من الأفلام المرسومة، نراهم أسرى مكتوفي الأيدي أمامها! 
حتى صاروا مدمنين عليها، لا يستطيعون عنها فكاكاً، ولِمَ الفكاك عنها وهي المتعة والسرور والجمال؟ إنه لأمر محزن. لقد رضينا بهذا الأَسْر لأبنائنا في غياب رسالتنا عن أذهاننا ظنًّا منَّا أن أمر الأفلام سهل هيِّن، فهل هو كذلك؟
لا شك أن الطفل ابن تربيته، والاهتمام به دليل على حضارة أمته، بل هو أمر لا يختلف فيه العقلاء، أُقَدِّم هذه المقولة سلفًا جوابًا لتساؤلات: لماذا اختلفت أخلاق أطفالنا عمّا رسمناه لهم؟ 
وكيف تأتّى لأبنائنا أن يستخِفُّوا بكثير من ثوابت أمَّتهم، ولم يرعوها حق رعايتها؟ 
كيف اكتسبوا ما اكتسبوه من التّلفزة؟ 
ولعل السؤال الأنسب في هذا السياق هو: هل ألقينا معاذيرنا قبل أن نلوم أطفالنا؟

ما يُقدّم لأطفالنا - وأفلام الرسوم المتحرِّكة من أهمِّه - له جاذبية كبيرة لكثير من الكبار، وهذا مشاهد ومعروف، لكنه للصغار أكثر جاذبية، وأشد إغراء، وهم ضعيفو المقاومة لها، لذلك نراهم مسلوبي الإرادة أمامها: تُفرحهم و تُحزنهم، تُريحهم وتُغضبهم، تأسرهم و تشدُّهم. انظر إليهم وهم يَتَلَقّون عن هذه الأفلام، هل تسمع لهم همساً؟!
لقد خبر الآخرون أثر هذه الأفلام في هؤلاء الأطفال فَعُنوا فيها عناية فائقة وقدموها تقديمًا يأخذ الألباب؛ فغرسوا ما يشاؤون، ونزعوا ما يشاؤون، وهذا حق لهم في أطفالهم وبلادهم، أمَّا أن تزحف هذه الأخلاق والأفكار والعقائد وتقطع قارات للوصول إلى أطفالنا فهذا هو العجيب والنادر حدوثه! تُرى هل ثمة أعجب من هذا؟ 
للأسف، نعم. إنه تقصيرنا وغفلتنا عن خطورة هذه الأفلام!

وبما أن الأمريكيين - على سبيل المثال - في نجاح مستمر في هذه الأفلام؛ لأنهم يدرسون ويخططون، فإنهم ماضون في الاستعانة بشخصيات شعبية عالمية في أمم شتى، كشخصية سندباد، وعلاء الدين، و سندريللا، وبوكاهانتس وغيرها، بعد أن أسسوا لشخصيات أضحت رموزًا للثقافة الأمريكية ك: ميكي ماوس، ودونالد دك، وبلوتو، وتوم وجيري، وغيرها. 
يرافق ذلك حملة إعلامية من الملصقات والدعايات والصور لهؤلاء الأبطال على الأدوات المدرسية والألعاب والملابس، فحيثما التفت الطفل وجد شخصيته الكرتونية قريبة منه.


إنها بذلك تروِّج لثقافتها وأفكارها من خلال شخصيات شعبية في أمم أخرى، وفي هذا وذاك نحن مشاهدون مستقبلون منفعلون فقط! ويزيد الطين بلة ترجمة هذه الأعمال باللهجة العامية بكل أمانة لألفاظ الفِلْم ومشاهده بغثها وسمينها. فكيف يبلغ البنيان تمامه إذا كان الأهل يبنون - هذا إن أحسنوا البناء - والآخرون يهدمون ويرفعون على أنقاض الفضيلة بيتاً للسوء والفساد؟!

وحتى نكون منصفين، فإنَّ هذه الأفلام فيها فوائد لأطفالنا نضمنها لهم - ريثما يسعفنا الطبيب بالبديل - إذا تحقق شرط يصعب تحقيقه، ألا وهو مُشاركة الابن والابنة في مشاهدة هذه الأفلام لحظة بلحظة، و مراقبتها بانتباه و حذر شديدين، و مناقشتهم بالجيد و إقراره، و بالسيئ و إبعاده بالتنفير منه بحكمة. هل هذا بمقدورنا؟ 
ما الحل و الطفل هو الهدف و هو المستقبل؟ 
لا جرم أننا - إن فعلنا - نكون قد قدمنا خدمة واجبة علينا نحو أطفالنا، فيصبحون قادرين على تمييز السُّمِّ المبثوث في ثنايا الفِلْم الذي يشاهدونه.

وحتى نعرف خطر الأفلام (الكرتونية) على فطرة وتربية أطفال المسلمين، فهذه وقفة مع لقطات وأفكار في أفلام ومسلسلات مرسومة للأطفال للتمثيل، يُرجى تأمّلها:

1 - في بداية فِلْم (عودة جعفر) يدخل علاء الدين على أميرة البلاد، وهي شبه عارية، ثم يضمها ويدخل حجرتها، ثم لقطة للقرد و هو ينظر إليهما فيخجل مما يراه فيغمض عينيه! 
فأيُّ تربية سيكتسبها الطفل من هذا المشهد الجنسي الداعر.

2 - في بداية فِلْم (علاء الدين و المصباح السحري! ) صورة لثلاث فتيات محتشمات في لباسهن، يرسم لهن الجني لباسًا شبه عارٍ، يذهب حجابهن و هن سعيدات! 
وهذا يرسخ في أذهان الفتيات بغض الاحتشام والفضيلة، وحب العري والرذيلة.

3 - في الفِلْم نفسه تقول العرّافة!: " أنا عارفة كل الذي حصل و الذي سيحصل ". 
يقول المارد: "حي حي. يظهر مكشوف عنها المستقبل ". 
و الأحداث في الفيلم تدل على أن العرّافة صادقة وتعرف كل شيء! 
وهذا الأمر يؤثر في مسألة علم الغيب التي يتعلمها الأطفال من أن الغيب لا يعلمه إلا الله، ومثل هذه المشاهد وهي كثيرة تزعزع هذه الثوابت عندهم.

4 - مَنْ مِن الأطفال بل من الكبار! لا يعرف (باباي) البحار و سبانخه وعدوه اللدود بلوتو؟ ففي كل حلقة يقتتلان. 
ولكن على أي شيء؟ 
يقتتلان على زوجة باباي! 
نعم بلوتو يريدها فيكيد لباباي، لكن باباي ينتصر أخيرًا بقوة خارقة تأتيه من السبانخ!
ما الفائدة التي سيجنيها الأطفال من مثل هذه الأفلام، إلا العنف والعداوة، والاعتقاد في مثل السبانخ بأنه يمنح قوة خارقة إلى غير ذلك من السخافات التي لا تنقضي.

5 - العنف، و مشاهده كثيرة جدًا. وليست حوادث رمي الأطفال بأنفسهم من مكان عالٍ ببعيدة عنا، بعد رؤيتهم قدوتهم تقفز من سطح عمارة أو منزل (مع إقرارنا بِأنَّ القَفز الرِّياضيّ المدروس مفيد، لا العشوائي الخياليّ)، وثمَّة حوادث مشابهة من اعتداء طفل على أخيه أو أخته محاولاً تطبيق ما شاهده. 
و ممّا يلحق بالعنف مشاهد الرُّعب الكثيرة التي يتعرَّض لها أطفالنا، هذه المشاهد باتت نارًا تكتوي بها البلاد التي أنتجتها! من خلال سلوك أبنائها، و ستكتوي بها بلاد أخرى تتعرّض لها، إنْ لم تتّخذ إجراءات السّلامة اللازمة. (أُجريت دراسة على الرسوم المتحرِّكة الأمريكية عام 1993م كانت نتيجتها: أنَّ العنف يحتلّ 99. 9% من برامج الرسوم المتحركة).

6 - ألفاظ سيئة، مثل: يا غبي، يا أبله، يا حقير، يا تافه، و ما شابه ذلك من كلمات الشّتم و الاستهزاء والسُّخرية.
وهذا يؤدي إلى تعلم الأطفال صفات أخلاقية سيئة ومؤذية.

7 - لقطات السحر و الشَّعوذة وهي كثيرة و خطيرة، تملأ أخيلة أطفالنا وتغرس في أذهانهم المعتقدات الباطلة، و لقطات تُؤذي صِحَّة الطِّفل والمجتمع كالتدخين و شرب الخمر. وتسهل عليهم تعاطيه وشربه وتناوله.

8 - صديقة الشاب أو صديق الشابة (بوي فريند)، ليس عندنا لهذا المصطلح ما يقابله في ديننا وأعرافنا. فهي علاقة انحلال وفساد. و نريد أن نفصّل حلاً لهذه المشكلة عندما نُعَرِّب (ندبلج) العمل؛ فنجعل هذه الصديقة أختًا أو زوجة، و لكن بعد مشاهد يراها الطفل مع آخر ينازع الأول عليها، بل إنها تذهب بمحض إرادتها إلى صديق آخر! فكيف سيتربى جيل الأطفال؟ وبأي صورة سيفهم هذه القصص السيئة؟

9- في حلقة من مسلسل (جول و جوليا) يُرافق رجل في أُذُنه قُرْط أخوين: ولدًا و بنتاً فقدا والديهما ليُفَتِّش لهما عن والديهما بِأُجرة. 
في سفرة من سفراته معهما نزل عند صديقة قديمة، و طلب من الولدين أن يتركاه ساعة أو ساعتين. 
نام هذا الرجل عند هذه المرأة كما ينام الزّوج مع زوجته مع أنّ الوقت قصير. 
طرق الولدان الباب بعد مُدّة، ففتحت المرأة الباب و هي شبه عارية تاركةً الرّجل العاري منتشيًا في سريرها، و قالت: سيبقى المشرف معي، و عليكما تدبّر أمركما. 
في اليوم التالي يلبس الرّجل ملابسه و الصُّوَر فاضحة مُحرجة، ولا جواب عندنا لصغير أو صغيرة تسأل عن هذين، ما العلاقة التي بينهما؟ 
ولماذا هما عاريَان؟ 
ثُمّ يغادر الرجل. يُتابع الأخوان وحدهما رحلة البحث عن والديهما، يركبان سفينة، يقول لأخته وهما على ظهرها: تعرفين يا جولي إنّني أحيانًا لا أفكِّر فيكِ كأخت. أجابته: وأنا كذلك!!!
في مثل هذا المسلسل ندرك حجم الكارثة التي تحدق بأبنائنا، وضع الرجل للقرط في أذنه شذوذ، وتشبه بالنساء، مشاهد العلاقات الجنسية المحرمة، والعري، والدعوة لإقامة علاقة بين الأخ وأخته!؟ فماذا سنجني من هذه المسلسلات إلا الدمار والفساد والمسخ والافساد الأخلاقي.

10 - في الفِلْم الشهير (الأسد الملك) يحاول العمّ الشرير قتل ولي العهد، فيقتل الملكَ بمساعدة الضباع الشريرة أيضًا. في هذه اللقطة - لقطة انتصار الخبث و الشرّ - تَظهر صورة الهلال في خلفية المشهد. 
هذه الصورة للهلال في هذا الوقت لم تأتِ عفو الخاطر، بل إنها مدروسة بعناية بالغة؛ ليربط أطفال العالم بين الشّرّ و بين الهلال، و الهلال - كما تعلمون - شعار إسلامي لا أحد يخطئ فهمه.

11 - في الفِلْم ذاته تسجد الحيوانات كلها لابن الملك بعد ولادته! و مشهد السجود تكرر في أعمال عدة للأطفال. هكذا يتربى الأطفال على السجود لغير الله.

12 - عندما يضيق صدر (سالي) تذهب إلى الكنيسة! وهذه دعوة للتنصير بالذهاب للكنيسة عند حلول الضيق والكرب بالشخص.

13 - موضوع الأُسَر المفكّكة والتشرّد: أفلام كثيرة من أول حلقة إلى آخر حلقة فيها الطفلة أو الطفل يبحث عن أمّه أو أبيه، يرافق ذلك علاقات صداقة بين الأطفال و البنات، ويعيشون معًا: يأكلون وينامون و يسافرون معًا، يتخلّل ذلك علاقة إعجاب و حبّ بريئة كما يقولون!! 
وما أفلام هايدي، وسالي، و ريمي، وساندي بيل عنّا ببعيدة. 
أتصلح هذه وأضرابها لمجتمعاتنا وقد عافانا الله من التفكّك والتشرّد!؟

14 - يقع البيانو على توم و يموت توم. تصعد روحه إلى السماء على درج ذهبي. 
يقترب توم من نار مخيفة (جهنم)، ينجو منها إذا قَبِل جيري اعتذاره. 
لكن جيري لا يقبل الاعتذار، لذلك يُفتح له باب جهنم، ويُرمى فيها، و بانتظاره كلب مخيف يريد تعذيبه. 
فجأة يستيقظ توم من نومه مدركًا أن طريق الجنة مرتبط برضا جيري؛ فيسعى إليه. 
استهزاء وسخرية بعالم الغيب! 
صورة خطيرة في زعزعة العقيدة، وتصوير خبيث للنار والجنة وخازن جهنم، وبمناسبة الحديث عن أفلام توم و جيري الكثيرة يتبادر إلى الذِّهن سؤال: هل وجد أحد منّا في فِلْم من هذه الأفلام دعوة إلى التسامح أو الرحمة أو الرِّفق، أو دعوة إلى آداب الحديث أو السَّير، أو دعوة إلى محبة الأهل و النّاس و مساعدتهم، و أُلَخِّص السؤال: هل وجد أحد منّا في هذه الأفلام دعوة إلى أيّ خُلُق حميد؟

15- البطل الذي لا يُقْهَر؛ يملك قوّة خارقة عجيبة، لا شيء يغلبه، يخترق الجدار، و يُطْلِق من عينيه شعاعاً يحرق كُلّ شيء، و يكشف المستقبل! 
يحمل بيدٍ واحدة سفينة تغرق، و يحمل عِمارة من مئة طابق تقريباً! يُحَوِّل مجرى نهر عظيم! 
إنَّ الخيال التِّجاريّ المريض لن يُقدّم قيمة يُعْتَدُّ بها، و لن يُشبع حاجة من حاجات الطفل التي ينادي بها علماء التربية، ولا يخفى دور الخيال العلميّ المدروس في حياة الطِّفل؛ لأنّه يفتح أمامه آفاقاً جديدة رحبة، و يبني ولا يهدم، يُشجِّع و لا يُحْبِط.

16- الأفلام التي تصور الأشخاص أنهم يطيرون في الجو بأجسادهم ويمتلكون قوة خارقة عن غيرهم كسوبرمان، هذه الأفلام مستمدة من نظرية فاسدة وهي نظرية النشوء والارتقاء، التي ترى أن الإنسان كان طفيلية ثم تحول لحشرة، وبعدها تطور حتى أصبح إنساناً، وسيتطور حتى يكون سبرماناً يطير في الهواء ويمشي على الماء، خيالات وخرافات تسيطر على الأطفال عند مشاهدتهم لهذه الأفلام.
وبعد، هل تحتاج المشاهد السابقة إلى تعليق؟! 
هذه إشارة عابرة لخطورة الأفلام المرسومة التي تشبه الرمال المتحركة الخطرة! 
هل نأمن المسير فوقها، هل يصلح ترك فلذات أكبادنا تلهو فوقها دون إرشاد و إعداد؟ إنَّنا نريد النجاة ونطلبها، فلابد إذن من أن نسلك مسالكها.


الأفلام السليمة والنظيفة المنتجة عربياً و إسلامياً قليلة، بل نادرة إذا قورنت بما في السوق من أفلام مُعَرَّبة و غير مُعَرَّبة النّطق، و هي فوق ذلك لم تصل إلى شاشات التلفزة العربية الفضائية، أي أنّ تأثيرها لم يصل إلى المأمول منها بعد، برغم الجهد الكبير المبذول فيها ماديًا وعلميًا و تربويًا. ومن أمثلتها: (محمد الفاتح) و (الجرة - حكاية من الشرق) و(باح يا باح) و(الناصر صلاح الدين) و(مغامرات عارف و عنتر و عباس) و(دمتم سالمين) و (ناقة صالح) و(سلام و فرسان الخير) و(شهيد العالم - محمد الدرّة) و(جزيرة النور) و(تعليم الحروف) وغيرها...

وثَمَّة تجربة فريدة تجدر الإشادة بها في هذا المقام، كانت حلماً يتطلّع إليه كل أب و كل أم و كل مربّ ومربية، إنها فترة الأطفال في قناة المجد الفضائية التي تُخفّف عبء الوالدين في متابعة أطفالهم وهم أمام أفلامهم في هذه القناة؛ و ذلك بسبب شروطها لقبول الأفلام ورقابتها الدقيقة لكل ما يشاهده الطفل أو يسمعه في هذه الفترة. وقد اكتمل الحلم بإطلاق القائمين عليها مؤخّرًا قناة خاصّة للأطفال. ولعل ما أنجزته قناة المجد يجيب بوضوح عن سؤال: هل البديل المناسب ممكن؟

ليست هذه دعاية للقناة، بل تشجيع للإعلام التربوي الهادف.
إنّ مشكلة الأفلام المرسومة جزء من مشكلة أمّة وقعت في مستنقع التقليد والتبعية لكلّ ما يصدر عن الآخر، برغم الاختلاف عنه في العادات والتقاليد والأخلاق، وقبل كلّ هذا مخالفته بالعقيدة. ولعل الجهود تتضافر- من مسؤولين وإعلاميين وكُتّاب ومُربين وآباء وأمّهات وتُجّار- في خدمة لآليء الأرض: رجال المستقبل و نسائه..

http://jmuslim.naseej.com المصدر:



موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة 1-29
جمع وإعداد : علي بن نايف الشحود

الخميس، 18 فبراير 2021

حقيقة موسوعة قصة الحضارة

 


وِلْ دْيُورَانْتْ:
وإذا شئنا نماذج أخرى لتحريفاتهم، فإليك ما أورده (ول ديورانت) في كتابه " قصة الحضارة " (1).
يقول عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وقد أعانه نشاطه وصحته على أداء واجبات الحب والحرب، ولكنه أخذ يضعف حين بلغ التاسعة والخمسين من عمره، وظن أنَّ يهود خيبر قد دَسُّوا له السم في اللحم قبل عام من ذلك الوقت، فأصبح بعد ذلك الحين عرضة لحميات، ونوبات غريبة ... إلخ» (2).

ولا يعنينا أنْ نناقش القبح والفحش الذي كتب به المؤلف ما كتبه عن نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَلاَةِ وَالسَّلاَمُ - بأبي هو وأمي وبنفسي وبالناس أجمعين - فليس هذا مجال مناقشته، ولكن الذي يعنيني أنْ أضبط هذا المُسْتَشْرِقَ العلاَّمة، مُتَلَبِّساً بخيانة المنهج، وذلك قوله: «وَظَنَّ أَنَّ يَهُودَ خَيْبَرَ قَدْ دَسُّوا لَهُ السُمَّ فِي اللَّحْمِ». فهذا التعبير بـ «ظَنَّ» يريد به أنْ ينفي صحة الخبر، ليبرئ اليهود بالتالي من جريمة محاولة قتله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسُمِّ، ومن قتل الصحابي الجليل الذي أكل معه.
وهذا الخبر (خبر دس السم) موجود مشهور في مصادر السيرة النبوية المختلفة، فقد أورده ابن هشام في سياق غزوة خيبر، وأورده ابن سعد في " طبقاته "، ورواه " البخاري " في غير موضع: 5/ 176، و " مسلم ": 7/ 14 - 15 كلاهما من حديث أنس، وأحمد برقم 2885 من حديث ابن عباس و " أبو داود ": 1/ 146، و " الدارمي ": 1/ 33 عن جابر ... [وفيه اعتراف اليهود بدس السم وعفو الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عن هذا الجُرْمِ الفظيع، مع موت الصحابي الجليل البراء بن معرور بهذا السُمِّ].

ومع ثبوت هذا الخبر ووفرة مصادره تأبي (الأمانة العلمية) و (الحيدة الأكاديمية) و (منهج البحث) على هذا المُسْتَشْرِق العتيد إلاَّ أنْ يُزَيِّفَ ويُحَرِّفَ، فينكر الخبر، وينسب الحادثة في إيجاز بارع إلى مجرد ظَنٍّ ووهم.
وعلى حين ينكر هذا الخبر الثابت، يُحَرِّفُ وَيُزَيِّفُ خبراً آخر، يزيد فيه وينقص منه.
فيقول في ص 77 وهو يتحدَّثُ عن الثراء الذي جاء المسلمين نتيجة للفتح: « ... وكان للزبير بيوت في عدة مدن مختلفة، وكان يمتلك ألف جواد، وعشرة آلاف عبد ... ».

وهذا الخبر بهذه الصورة وبهذا الإيجاز يجمع ألواناً وأفانين من التحريف، ففيه زيادة، وفيه نقص، وفيه تغيير وتبديل. وبيان ذلك:
أنَّ الخبر ورد في المصادر المعروفة والمشهورة هكذا: «وكان للزبير ألف مملوك يؤدون إليه خراجهم كل يوم، فما يُدْخَلُ إلى بيته منها درهماً واحداً يتصدَّق بذلك جميعه».

هكذا ورد الخبر في:
1 - " الإصابة " لابن حجر العسقلاني: 1/ 546.
2 - " أسد الغابة " لابن الأثير: 2/ 198.
3 - " البداية والنهاية " لابن كثير: 7/ 251.
4 - " صفة الصفوة " لابن الجوزي: 1/ 346.
5 - " الاستيعاب " لابن عبد البر (بهامش " الإصابة "): 1/ 583.

وبعض هذه المراجع من منشورات المُسْتَشْرِقِينَ، أعني هذا الخبر بهذه الصبغة كان متاحاً له وبين يديه، «وهم يزعمون، ويزعم تلاميذهم أنهم يستقصون المراجع، ولا يخطون حرفاً إلاَّ بعد جمع كل تلاميذهم أنهم يستقصون المراجع، ولا يخطون حرفاً إلاَّ بعد جمع كل ما يتصل بموضوعهم) ولكنه كما ترى ارتكب التحريفات الثلاثة الآتية».
1 - زيادة ألف جواد من عنده، فقد أقحمها في الخبر، ولا وجود لها فيه أصلاً.
2 - نقص الجزء الأخير من الخبر عن تصدق الزبير بخراج هؤلاء المماليك.
3 - زيادة الألف مملوك إلى عشرة آلاف.

وهكذا تكون (الأمانة العلمية) و (النزاهة) و (الحيدة) و (التجرد) و (المنهج) إلى آخر هذا الركام من الأحجار التي يُلقمونها لمن يريد أنْ ينظر في عمل المُسْتَشْرِقِينَ.

وهاك نموذج آخر للتحريف وخيانة المنهج، وهو ما قاله هذا المُسْتَشْرِقُ عن هارون الرشيد، ذلك الخليفة العظيم، وعلاقته بالبرامكة، قال: «وكان هارون يحب جعفر حباً أطلق ألسنة السوء في علاقتهما الشخصية، ويقال: إنَّ الخليفة أمر بأنْ تصنع له جبة ذات طوقين، يلبسها هو وجعفر معاً، فيبدوان كأنهما رأسان فوق جسم واحد، ولعلهما كانا في هذا الثوب يمثلان حياة بغداد الليلية» (3) (كذا).

انظر: مؤرِّخُ الحضارة، عملاق الفكر، وربيب الأكاديمية، وسادن العلم، وأستاذ البحث والمنهج، ينكر الحديث الثابت والخبر المتفق عليه، الذي تردَّد في كل الكتب تقريباً، «عن دَسِّ اليهود السُمَّ للرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، وَيُضِيفُ وَيُغَيِّرُ في خبر ثروة الزبير - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، ويأتي هنا بخبر (لقيط) لا يُدْرَى له أصل، فيحتفي به أيما احتفاء، بل يبني عليه من عنده، فيتَّخذ منه مناسبة ليطعن بغداد دار السلام عاصمة الدنيا كلها في ذلك الوقت، فيقول: «ولعلهما كانا في هذا الثوب يمثلان حياة بغداد اليلية» هكذا يقذف المجتمع كله بهذ الفرية، ولنا على هذا الكلام ملاحظتان:

الملاحظة الأولى:

أنَّ الخبر على فرض صِحَّتِهِ، كان الأولى به أنْ يعف عن ذكره، فلا (يُلَوِّثُ) به كتابه، ولا يؤذي به حياء قارئه، فهذا شأن العلماء، والباحثين، لا سيما وأنَّ الخبر في سياقه مقحم لا قيمة له، فإثبات قوة الصلة بين هارون الرشيد والبرامطة لا تحتاج إلى مثل هذا الفحش، الذي يعف عنه عامة الناس، بله كبار العلماء، (آهٍ متى يعود لأمَّتنا مكانها حتى تقيم حدود الله، وتجلد هؤلاء القذفة).

الملاحظة الثانية:

أنَّ هؤلاء المُسْتَشْرِقِينَ دائماً يدعون إلى العقل، وتحكيم العقل في الخبر مهما كانت صحة سنده، والسؤال للمستشرق العملاق، هل يقبل عقلُ غافل (أي عاقل)، بله عقل متحضر، بله عقل (مؤلف عالمي) هل يقبل العقل أنْ يمشي رجلان في ثوب واحد؟؟ وكيف؟ وبأي سعة يكون هذا الثوب؟ وأيهما يمشي أولاً؟ وأيهما يمشي ثانيا؟ أم كان هناك إيقاع موسيقي يضبط حركتهما؟؟.

وإذا تركنا هذا الإمكان (العلمي)، فهل يقبل العقل أنَّ حاكماً في مثل منزلة هارون الرشيد كان فارغاً لهذا العبث، بل لهذا الفساد؟ وهل يعقل أنَّ من يصل إلى هذا الحد من (السقوط) يمكن أنْ يكون صاحب هذا التارخ الذي زحم الدنيا، من الغزوات والانتصارات والسفارات، والبناء، وقيادة (الدنيا كلها) في طريق الحضارة والنور، هذه الخطوات الفساح التي تمت في عهد الرشيد، هل يقبل عقلُ عاقل أنَّ هارون الرشيد الذي كان يقود الجيوش بنفسه، ويقضي الشهور تلو الشهور في ملابس الميدان، هذا الذي أَذَلَّ أباطرة الروم، ودفع عن ثغور المسلمين دسائسهم ومؤامرتهم، حتى مات مجاهداً ودفن هناك في (طوس) على أطراف دولته، بعيداً عن عاصمته و (قصره) مسيرة أيام، هل يعقل عاقل أنَّ هذا المجاهد يصل إلى هذا المنحدر من السقوط؟؟ إلاَّ في عقل هؤلاء المُسْتَشْرِقِينَ.

بل إنَّ جعفر البرمكي هذا كان قائداً مُحَنَّكاً، ولا شك أنَّ مُؤَرِّخَ الحضارة قرأ عن أعماله الحربية العظيمة، وأنَّ هارون الرشيد كان يرمي به في أخطر المآزق، ويلجأ إليه في أشق المضايق، فطالما قمع الفتنة، وردع العدوان، وَسَدَّ الثغور، وحمى الحصون، جال في أرض العدو وصال.
أفمثل هذين العظيمين الطاهرين المجاهدين يكون فارغاً لما يرمز إليه بهمزه ولمزه، ذلك المؤلف العالمي (الهُمَزَةُ اللُّمَزَةُ) (4).


__________

(1) قامت على ترجمة هذا الكتاب الإدارة الثقافية بالجامعة العربية، وصدر على نفقتها في أكثر من ثلاثين جزءًا. وقد نقد هذا التصرف من الجامعة العربية الأستاذ الجليل محمد محمد حسين - رَحِمَهُ اللهُ -، وقال: « ... إنَّ اختيار هذا الكتاب للترجمة جريمة دبَّرتها الصهيونية الهَدَّامة المُتَخَفِّيَةِ في زوايا اليونسكو ... إلخ» انظر " حصوننا مهددة ن داخلها ": ص 187 - 189 لترى نقداً موضوعياً علمياً لهذا الكتاب.

(2) الجزء الثاني من المجلد الرابع، مسلسل رقم 13 ص 46 سطر 7 - 10.

(3) الجزء الثاني من المجلد الرابع (مسلسل رقم 13) ص 93 سطر 5 - 8. ولا يعفي " ديورانت " أنه عزا هذا الكلام إلى " مرجليوث " في كتابه " محمد ومطلع الإسلام " بل إنَّ هذا يضاعف الجرم (أفعى ترضع سُمًّا) ويشهد بعراقة الإفساد، وتمكن الحقد من نفوس القوم، وإحكام الكيد وسوء المكر، وإنَّ الإنسان ليعجب أيَّ علاقة لهذا الكلام عن هارون الرشيد بكتاب عن " محمد ومطلع الإسلام "؟؟ أية منهجية هذه؟؟؟

(4) نحن نعرف ويعرف (ول ديورانت) أكثر مِنَّا مَنْ قادة الفكر والرأي في بلاده يصدق عليهم يقيناً ما حاول أنْ يرمي به هارون الرشيد وجعفر بل حاول أنْ يرمي به المجتمع المسلم في بغداد كلها، نحن نعرف ولكن نعفُّ ونُطَهِّرُ قلمنا وكتابنا أنْ نذكر، ولا نهم ولا نلمز.

 عبد العظيم الديب (المتوفى: 1431هـ): المستشرقون والتراث ( 31 إلى 36) - دار الوفاء - الطبعة: الثالثة، 1413 هـ - 1992م.

_______________________________

للفائدة: 
الحذر من موسوعة قصة الحضارة للأمريكي ويل ديورانت للأستاذ الدكتور جمال عبدالهادي

الجمعة، 1 يناير 2021

فصل في الدولة الخبيثة العبيدية

 

أول من قام منهم بالمغرب المهدي عبيد الله سنة: ست وتسعين ومائتين، ومات في سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة.

وقام ابنه القائم بأمر الله محمد، ومات سنة ثلاث وثلاثين.

وقام ابنه المنصور إسماعيل، ومات سنة إحدى وأربعين.

وقام ابنه المعز لدين الله معد، ودخل القاهرة سنة اثنتين وستين، ومات سنة خمس وستين.

وقام ابنه العزيز نزار، ومات سنة ست وثمانين.

وقام ابنه الحاكم بأمر الله منصور، وقتل في سنة إحدى عشرة وأربعمائة.

وقام ابنه الظاهر لإعزاز دين الله على، ومات سنة ثمانٍ وعشرين.

وقام ابنه المستنصر معد، ومات سنة سبع وثمانين، فأقام في الخلافة ستين سنة وأربعة أشهر.

قال الذهبي: ولا أعلم أحدًا في الإسلام -لا خليفة ولا سلطانًا- أقام هذه المدة.

وقام بعده ابنه المستعلي بالله أحمد، ومات سنة خمس وتسعين.

وأقيم بعده ابنه الآمر بأحكام الله منصور، طفل له خمس سنين، وقتل في سنة أربع وعشرين وخمسمائة عن غير عقب.

وقام بعده ابن عمه الحافظ لدين الله عبد المجيد بن محمد بن المستنصر، ومات سنة أربع وأربعين.

وقام ابنه الظافر بالله إسماعيل، وقتل سنة تسع وأربعين.

وقام ابنه الفائز بنصر الله عيسى، ومات سنة خمس وخمسين.

وقام العاضد لدين الله: عبد الله بن يوسف بن الحافظ لدين الله، وخلع سنة سبع وستين، ومات بها، وأقيمت الدعوة العباسية بمصر، وانقرضت الدولة العبيدية.

قال الذهبي: فكانوا أربعة عشر متخلفًا، لا مستخلفًا.

_____________________________________________


الإمام السيوطي (المتوفى: 911هـ): تاريخ الخلفاء 367-368
مكتبة نزار مصطفى الباز

الطبعة الأولى: 1425هـ-2004م 

الجمعة، 4 ديسمبر 2020

القس دانلوب وتغريب التعليم في مصر


ولد "دانلوب" في اسكتلندا 1860 م وتخرج من القسم اللاهوتي في إحدى كلياتها وجاء إلى مصر مبشرًا 1889 م وعين مدرسًا في مدرسة "سانت أندرو" التابعة للمجتمع التبشيري باسكتلندا بمرتب فرنكات معدودات. 

وسعى لدى "كرومر" بمساعدة السير "فونكريف" وكيل الأشغال حتى عين مدرسًا للغة الإنجليزية في مدرسة المهندسخانة فالمعلمين الخديوية. 

ويعد "دانلوب" واضع المخطط الأساسي لتغريب التعليم والتربية وإقصاء الإسلام عن برامج التعليم في المدرسة المصرية، باعتبار أنّ التعليم والتربية لها أكبر الأثر في مخطط التغريب والشعوبية والتبشير والاستشراق إن لم تكن هي جوهر هدف الاستعمار الأساسي. فإنّ خلق طبقة من المتفرنجة الذين ينكرون الدين والخلق معًا (الإلحاد والإباحية) هو عمل أساسي، فعلى هؤلاء يعتمد الاستعمار مستقبلاً في تنفيذ مخططه وتكوين ركائزه التي يعتمد عليها بعد جلاء القوات المحتلة. وقد قام "دانلوب" بدور كبير في تعميق مخطط التغريب وهدم مقومات الفكر الإسلامي وكان أبرز ما عمل له: نزع اعتقاد الشباب المسلم في القرآن وكان مذهبه (متى توارى القرآن ومدينة مكة من بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة). 

وكان "دوجلاس دانلوب" قد عين سكرتيرًا عموميًا للمعارف في 8 مارس سنة 1897 ثم مستشارًا في 24 مارس سنة 1906، وقد كان في أول أمره قسًا مبشرًا عمل في وظيفة مدرس للغة الإنجليزية والخط الإفرنجي في مدرسة رأس التين الثانوية ثم لفت نظر "كرومر" فدفعه إلى العمل في نظارة المعارف فما زال يترقى بها حتى أصبح مسيطرًا سيطرة تامة على شئون التربية والتعليم. 

وكانت أبرز أعمال دانلوب: 
1- العمل على محاربة اللغة العربية والإسلام والأزهر، لذلك عمل على اضطهاد معلمي اللغة العربية من الأزهريين. 
2- نشر لواء اللغة الإنجليزية وتأهيلها للسيطرة الكاملة على كل شئون التعليم، وبذلك أمكنه القضاء على نفوذ اللغة العربية ولقد مضى في ذلك إلى حد أنّه جعل تعليم سائر العلوم كالرياضيات والتاريخ والكيمياء والجغرافيا والرسم باللغة الإنجليزية، وضيق على اللغة العربية تضييقًا كبيرًا. 

وممّا يذكر أنّه كان يسافر كل صيف إلى بريطانيا ثم يعود في أول العام الدراسي وقد استقدم معه عدًا كبيرًا من الإنجليز حملة الشهادات الأهلية الذين كانوا يعينون بمرتب لا يقل على ثلاثين جنيهًا، وقد اختارهم بنفسه وكان أبرز كتابات هؤلاء المدرسين الكراهية للغة العربية والعداء للحرية ومحاولة تحطيم آمال الأمة العربية وتغريب التلاميذ واتهام تاريخ العرب والمسلمين وإثارة الشكوك حوله واتهام الحضارة الإسلامية العربية بالاتهامات المختلفة، وذلك لخلق شعور عام بكراهية هذه الأمجاد والنفور منها والسخرية بها، وكانوا يطعنون روح الوطنية في الشباب والقضاء على حماستهم وتهديدهم، وكانوا يصفون الأمة بأنّّها نصف متحضرة وقد داسوا على كل عاطفة وطنية واضطهدوا كل شاب أظهر ميلاً أو عاطفة نحو دين أو وطن وأنشئوا نظامًا من التجسس في المدارس يطاردون به الشباب الوطني، وكان محرمًا على كل أستاذ مصري أن يتحدث عن تاريخ مصر أو تاريخ الإسلام بما يبرز عظمة أمتنا وكان أهم ما يقال إذ ذاك أن مصر بلد زراعي وأنّها ظلت محتلة طوال تاريخها بالفرس والرومان والأتراك والعرب، وأنّها لن تحكم نفسها أبدًا وأنّ جيشها قد هزم في التل الكبير وأنّ الجنود المصريين ذبحوا ليلة 14 سبتمبر 1882 م التي كانت قمرية كما يذبح الخراف. 

وقد قام "دانلوب" بنشر التعليم العالي في مصر وقد سجل ذلك "كرومر" في تقريره سنة 1907 (أنّ انجلترا لا تريد نشر التعليم العالي في مصر وأنّها لا تريد إلاّ إعداد جمهور من طبقة الأفندية ليشغلوا الوظائف الثانوية في الحكومة وأنّ المصريين لا يصلحون للعلوم العالية، وأنّ زيادة التعليم تصرف عن فلاحة الأرض وتعود على مصر بالإفلاس. وقد حرص "دانلوب" بتوجيه "كرومر" وبريطانيا على تنفيذ خطة واضحة المعالم للعمل على وقف انتشار التعليم أو ترقيته، وسبيلهم إلى ذلك تقليل اعتمادات المعارف وصرف أغلب المبالغ المعتمدة في بناء القصور المشيدة واقتناء الأثاث الفاخر للمدارس. 

وكان "دانلوب" منفذ هذه السياسة يقول: "إنّ سياستي في التعليم هي الجودة لا الكثرة"!!!!! ..... وهذه مغالطة واضحة. وكان "دانلوب" يعمل على قلب المدارس الابتدائية إلى أولية راقية اكتفاء بالمدارس الأميرية في كل مديرية، كما شجع انتشار المدارس الأجنبية وفق غايات سياسية تسير في نفس الاتجاه الاستعماري وهم بتحطيم كيان الأمة وإفساد معنوياتها. 

وحرص "دانلوب" على معاملة الطلبة الوطنيين بمنتهى القسوة فعدل في 1910 م المادتين 88 و100 من قانون نظام المدارس بفرض عقوبات على التلاميذ وفصل كل تلميذ لا يحصل على 20 درجة في السلوك، واتخذ من ذلك القانون سلاحًا لخنق الشعور بالحرية. 

وقد سجل مسيو "إدوار لامبير" ناظر مدرسة الحقوق في تقريره الذي نشره في جريدة (الطان 1907م) بعد أن أبعده "كرومر" و"دانلوب"، صورة الصراع بين الفرنسيين والإنجليز على المناصب الكبرى في التربية والتعليم وكشف عن الخطة التي رسمها "كرومر" ونفذها "دانلوب" في إقصاء الفرنسيين عن المناصب الكبرى في المدارس العالية وتعيين إنجليز بدلاً منهم دون أن يكونوا في مستواهم من الناحية الفنية، وأنّه قد أخرج الأساتذة الفرنسيين من القضاة من مدرسة الحقوق واستبدل بهم شبان من الإنجليز عينوا بمجرد تخرجهم من الكليات البريطانية دون أن يكون لهم أي قدر من الكفاية التي تمكنهم من دراسة القانون. 

كما أشار إلى الأنظمة الاستبدادية التي اتخذها بالنسبة للطلبة وكيف عاملهم بقسوة متناهية واضطهدهم وجرح كرامتهم، ممّا أحال مدرسة الحقوق معقلاً للوطنية المصرية بحيث أصبح كل طلابها الأربعمائة تابعين للحزب الوطني. 

وأنّ "كرومر" حين اضطر تحت ضغط الرأي العام إلى تعيين "سعد زغلول" ناظر للمعارف وعمل على سلب سلطته الفعلية، وأشار إلى الخطط التي كان "دانلوب" يدبرها مع نظار المدارس وكبار الموظفين للاتصال به شخصيا وتلقي أوامره وتعليماته قبل أن يكتبوا تقاريرهم الرسمية. 

وقال لامبير في تقريره: "إنّ الموظف القابض على الإدارة الحقيقية لوزارة المعارف دوجلاس دانلوب". 
وفي ظل هذه الفترة التي قضاها "دانلوب" في وزارة المعارف وقد امتدت إلى عام 1930 م ثم تبعه خليفة له في تنفيذ خطة التغريب الكاملة للتعليم على النحو الذي استمر يشق طريقه من بعد، وكان هدف هذا المخطط أساسًا هو تغريب ثقافتنا ومحاولة تدمير شخصيتنا العربية وإحالتها إلى مزيج مضطرب من نتف الثقافات المختلفة ومحاولة التشكيك في عظمة تراثنا الفكري وأمجادنا العربية وتاريخنا الباهر الحافل بالمواقف الخالدة في الدفاع عن الحرية والمشاركة في الحضارة والمدنية وحماية آثارها والإضافة إليها، وكان هدف التعليم أساسًا تخريج موظفين وأدوات وليس التثقيف العام. 

وقد أبطل "دانلوب" عديدًا من الكتب المقررة لأنّها تتحدث عن القيم العربية الإسلامية وقد كشفت جريدة (المؤيد 25 يوليو 1899 م) عن نماذج من هذا العمل وقالت: "إنّ هذه الكتب غير موافقة لهدفه من الوجهتين الدينية والسياسية وذلك بإيرادها قواعد الإسلام وأركانه مصحوبة بالحكم والآيات والأحاديث التي تحث على حب الوطن والتعاون وإصلاح ذات البين، وفي سبيل شجب هذه الكتب أعلن دانلوب أنّ مثل هذه الكتب غير موافية لحاجات التعليم وأوعز إلى بعض المدرسين الموالين له بان يضعوا كتبًا بديلة لها تضم بعض خرافات لافونتين وفي عبارة سقيمة وأسلوب نازل". 

وأشارت المؤيد إلى أنّ الشيخ "حمزة فتح الله" ناضل في سبيل إحباط رأيه فأعلن "دانلوب" أنّ كتب المطالعة يجب أن تكون مجردة خالية من كل ما له مساس بالدين. 

ومثل هذا حدث مع "عبد العزيز جاويش" الذي عاد من بريطانيا بعد الدراسة وقد ناقش "دانلوب" في منهج مدرسة المعلمين وكان رأيه أن يكون المنهج عامًا واحدًا، فاعترض "جاويش" وقال: "إنّ في مدرسة المعلمين في بريطانيا برنامجًا من أربع سنوات فأشار دانلوب إلى أن مدرسة المعلمين تهدف إلى تخريج مدرسين يؤدون واجبًا محدودًاا يزيد عن إعداد موظفين". كان ذلك متماشيًا مع رأي "كرومر" (عقل بريطاني ويد مصرية). 

وقد واجهت مؤلفات "عبد العزيز جاويش" نفس مصير مؤلفات "علي مبارك" و"عبد الله فكري" فقد أقصيت فعلا وألفت كتب أخرى بدلاً منها تحقق هدف "دانلوب" وهدف التغريب أساسًا. ولم يجد "دانلوب" قبولا لعمله ومخططه فقد ظلت الصحف الوطنية توالي مهاجمته، وقد تعرضت له اللواء في 9 أكتوبر سنة 1907 فقالت: "إنّ المصريين يعلمون أنّ دانلوب هو أقوى آلة وضعها اللورد كرومر لتعطيل التعليم في مصر وأكبر مقاوم لرقي البلاد، وأنّه يستعمل كل ما أوتي من سلطة وقوة لمحاربة المصريين حتى بالسطو على ذمم الموظفين معه". 

وقد أبطل دانلوب عام 1888 كتاب "علي مبارك" و"عبد الله فكري" (طرق الهجاء) لأنّه يتحدث عن الفضائل الإسلامية، وكان هذا الكتاب مقررًا منذ سنوات ولكنه بمكره أعلن أن هذا الكتاب غير واف بحاجات التعليم وأوعز إلى بعض أوليائه من المدرسين أن يضع كتابًا يتفق مع المواصفات الاستعمارية، فألف الكتاب الجديد حافلاً بخرافات "لافونتين" في أسلوب سقيم وعبارات نازلة. 

كما ألغى دانلوب الباب الوارد في المنهج تحت عنوان "العقائد والعبادات الإسلامية"، وناضل "الشيخ حمزة فتح الله" في سبيل إحباط رأيه فكان من قول "دانلوب" أنّ كتب المطالعة ينبغي أن تكون خالية من كل ما له مساس بالدين. 

خاص بموقع لواء الشريعة المصدر: لواء الشريعة

رابط المادة: http://iswy.co/e4935


الجمعة، 20 نوفمبر 2020

4- مكر عدونا في الجزائر


كثيرا ما اغتر المسلمون بالمظاهر، مكتفين بها من غير تعمق واستقصاء في البحث إلى دواخل الأمور: وذلك راجع إلى طهارة قلوبهم وحسن نياتهم، ونظرهم إلى الناس بمنظار الإيمان الصافي، لهذا ينخدعون سريعا بالمظاهر، وفي تاريخ الإسلام والمسلمين - القديم والحديث - أمثلة شاهدة على ما قلت إلى يومنا هذا.


                                                                         حداثة المروحة

وفي الجزائر - مثلا - وقعت أمور من هذا النوع، والأمثلة كثيرة - منها قصة بوشناق وبوخريص - باكري - اليهوديين الجزائريين الذين كانت لهما ديون على (فرنسا) فاتفقا معها - سرا - على خيانة الجزائر، وهما أحد أسباب احتلال (فرنسا) للجزائر عام 1830 م.


ومن أمثلة انخداع المسلمين بالمظاهر قصة ذلك الجاسوس الفرنسي "ليون روش"

 الذي أوفدته حكومته (فرنسا) ليكون عينا لها وجاسوسا على "الأمير عبد القادر" رحمه الله وعفا عنه عندما كان يخوض حرب الدفاع عن الجزائر إبان غزو فرنسا لها، عندما وطئت أقدام جندها تراب الجزائر سنة 1830 م - والوقت وقت حذر - فتقدم هذا الجاسوس - ليون روش - الفرنسي إلى الأمير مظهرا إسلامه، وأنه من المسلمين، وأن حكومته - فرنسا - اضطهدته من أجل إسلامه، والمثل العربي القديم يقول - لأَمْرٍ مَّا جَدَعَ قَصِيرٌ أَنْفَهُ - فخصه الأمير بالعطف عليه، وجعله ضمن خاصته وحاشيته، وأخذ يتقرب إليه شيئا فشيئا مظهرا إخلاصه له حتى جعله كاتبه الخاص، فاطلع على كل شيء في محيط الأمير عبد القادر رحمه الله وعفا عنه، فقام بالمهمة التي جاء من أجلها وأسلم لها - ظاهرا - ولما غلب الأمير على أمره في النهاية واستسلم - بعد قتال مرير - لفرنسا كما هو معروف، رجع هذا المسلم الكاذب إلى دينه الأول كما كان، وترك دينه الثاني - الإسلام - لأنه لم يسلم حبا في الإسلام وإيمانا به، بل هو كما قيل: (صلى وصام لأمر كان يقضيه) وقد كتب كتابا ضمنه عمله هذا الذي قام به، والدور الذي لعبه في ذلك، وسمى كتابه هذا (ثلاثون عاما في الإسلام)، وقد طبع الكتاب بالفرنسية وبيع وإن كانت نسخه الآن قليلة، وسنأتي فيما بعد - إن شاء الله - بشيء مما كتبه عن مهمته، وعن الأمير عبد القادر، وعن الإسلام والمسلمين، وما فهمه من الإسلام، وثنائه على ما فيه من حلول للمشاكل الحاضرة لو وجد في المسلمين من يعمل به، وقد عرفت حكومته - فرنسا - منزلته، فأمست عليه نهجا في الجزائر تخليدا لاسمه واعترافا بخدماته لدولته، في سبيل احتلالها للجزائر، حتى لا ينساه أبناؤها.

__________________


المصدر :

المزدكية هي أصل الاشتراكية (صفحة :113-114)


المؤلف: عبد اللطيف القنطري الجزائري (المتوفى: 1404هـ)


__________


الشيخ الدكتور محمد بن موسى الشريف حفظه الله تعالى تكلم عن هذا الجاسوس (ليون روش ) :

https://www.youtube.com/watch?v=fnSOsWG9PeQ&list=PL-lSryY5i0Tg2_aSBb710yynFd1F1BNav&index=6

3- الملك الصغير الأسير

 



بلغ مكر عدونا في الفردوس المفقود الأندلس مبلغا" لم يبلغة في ماكن واي عصر , ولذلك سقطت الأندلس .....


ومن أشد المكر ما حصل لأبو عبدالله الصغير آخر حكام غرناطة :

اعتزم ملك غرناطة الفتى أبو عبد الله محمد، أن يحذو حذو عمه الباسل فى الجهاد والغزو، وأن ينتهز فرصة اضطراب النصارى عقب الهزيمة، فخرج فى قواته فى شهر ربيع الأول سنة 888 (ابريل سنة 1483) متجهاً نحو قرطبة، شمال غربى غرناطة، واجتاح فى طريقه عدداً من الحصون والضياع، وهزم النصارى فى عدة معارك محلية. ثم ارتد مثقلا بالغنائم فى طريق العودة، فأدركه النصارى فى ظاهر قلعة اللّسانة   وكان يزمع حصارها.

ونشبت بين الجيشين معركة هائلة ارتد فيها المسلمون إلى ضفاف نهر شنيل، وقتل وأسر كثير من قادتهم وفرسانهم، وكان بين الأسرى السلطان أبو عبد الله محمد نفسه ، عرفه الجند النصارى بين الأسرى أو عرّفهم بنفسه خشية الاعتداء عليه، فأخذوه إلى قائدهم الكونت دى كابرا (قبره) فاستقبله بحفاوة وأدب، وأنزله بإحدى الحصون الغربية تحت حراسة قوية.

وأخطر فى الحال ملكى قشتالة بالنبأ السعيد، فأمر فرناندو أن يؤتى بالأسير الملكى إلى قرطبة، وأن يستقبل استقبال الأمراء؛ فأخذ أبو عبد الله وأصحابه إلى قرطبة فى حرس قوى، واحتشد أهل قرطبة لرؤية موكب الملك المسلم، وكان أبو عبد الله يرتدى ثوباً من القطيفة السوداء، ويمتطى حصاناً أسود عليه سرج ثمين، وكان وجهه يشع كآبة، وأخذ الملك الأسير أولا إلى دار الأسقف المواجه للمسجد الجامع، ثم أخذ بعد ذلك إلى أحد القلاع الحصينة، وعومل هناك بإكرام وحفاوة، وأقام فى أسره مكتئباً ينتظر يوم الخلاص.


وعاد المسلمون إلى غرناطة دون ملكهم، وقد مزقتهم الهزيمة وفتت فى عزائمهم، فارتاعت العاصمة لهذه النكبة واضطرب الشعب، وساد الوجوم قصر الحمراء، وسرى الحزن والأسى إلى حرم الأمير وقرابته، ولم يحتفظ فيها بهدوئه وسكينته سوى أمه الأميرة عائشة.

واجتمع الكبراء والقادة وقرروا استدعاء أبى الحسن السلطان المخلوع ليجلس على العرش مكان ولده الأسير.

ولكن أبا الحسن كان قد هدمه الإعياء والمرض وفقد بصره، ولم يستطع أن يضطلع بأعباء الحكم طويلا، فنزل عن العرش لأخيه محمد أبى عبد الله "الزغل" حاكم مالقة، وارتد إلى المنكَّب فأقام بها حيناً حتى توفى (890 هـ - 1485 م).


وجلس "الزغل" على العرش يدبر شئون المملكة، وينظم الدفاع عن أطرافها.

أما السلطان أبو عبد الله محمد فلبث يرسف فى أسره عند النصارى.

وأدرك ملكا قشتالة فى الحال ما للأمير الأسير من الأهمية، وأخذا يدبران أفضل الوسائل للاستعانة به فى تحقيق مآربهما فى مملكة غرناطة، وبعد إمعان البحث والتدبير رؤى أن يُفرج عن الملك الأسير لقاء أفضل الشروط التى يمكن الحصول عليها، لأن هذا الإفراج من شأنه أن يزيد فى اضطرام الحرب الأهلية بين المسلمين، وأن يعاون بذلك فى إضعاف قواهم والتمهيد لسحقهم. 

( دولة الإسلام في الأندلس الجزء الخامس 204-205)


وهذا الذي حصل بعد ذلك مع الأسف إشتعلت فتنة كبيرة بين الزغل وابن اخية الصغير , وانهكت قوى المسلمين , فما كان من الزغل إلا أن يذعن ويترك غرناطة لإبن اخية .

ولكن بعد ان دمر الكثير ..

وبعدها حدثت المأساة ....


ما فعلة ملكى قشتالة من ابقاء الصغير وبعدها اطلقوة لمحاربة عمة مكر كبير وتدمير لقوى المسلمين .

 والتاريخ يعيد نفسة ,اكتب هذة المقالة ونحن في 18من ذو الحجة 1435 الموافق 12-10-2014 والغرب يضرب قوى المسلمين ببعضهم ويستنزفهم ! ومع الأسف لا نتعلم من تاريخنا ....

القس المبشر دنلوب وتغريب التعليم في مصر

يعد "دنلوب" واضع المخطط الأساسي لتغريب التعليم والتربية وإقصاء الإسلام عن برامج التعليم في المدرسة المصرية، باعتبار أن التعليم وال...