الجمعة، 2 أبريل 2021

القس المبشر دنلوب وتغريب التعليم في مصر



يعد "دنلوب" واضع المخطط الأساسي لتغريب التعليم والتربية وإقصاء الإسلام عن برامج التعليم في المدرسة المصرية، باعتبار أن التعليم والتربية لها أكبر الأثر في مخطط التغريب والشعوبية والتبشير والاستشراق إن لم تكن هي جوهر هدف الاستعمار الأساسي.

فإن خلق طبقة من المتفرنجة الذين ينكرون الدين والخلق معًا (الإلحاد والإباحية) هو عمل أساسي فعلى هؤلاء يعتمد الاستعمار مستقبلاً في تنفيذ مخططه، وتكوين ركائزه التي يعتمد عليها بعد جلاء القوات المحتلة، وقد قام دنلوب بدور كبير في تعميق مخطط التغريب وهدم مقومات الفكر الإسلامي، وكان أبرز ما عمل له: نزع اعتقاد الشباب المسلم في القرآن وكان مذهبه "متى توارى القرآن ومدينة مكة من بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة".

وكان دوجلاس دنلوب قد عين سكرتيرًا عموميًا للمعارف في 8 مارس سنة 1897 ثم مستشارًا في 24 مارس سنة 1906، وقد كان في أول أمره قسًا مبشرًا عمل في وظيفة مدرس للغة الإنجليزية والخط الإفرنجي في مدرسة رأس التين الثانوية ثم لفت نظر كرومر فدفعه إلى العمل في نظارة المعارف فما زال يترقى به حتى أصبح مسيطرًا سيطرة تامة على شئون التربية والتعليم.

ولد دنلوب في اسكوتلانده 1860 وتخرج من القسم اللاهوتي في إحدى كلياتها، وجاء إلى مصر مبشرًا 1889 وعين مدرسًا في مدرسة سنت أندرو التابعة للمجتمع التبشيري لاسكوتلانده بمرتب فرنكات معدودات، وسعى لدى كرومر بمساعدة السير فونكريف وكيل الأشغال حتى عين مدرسًا للغة الإنجليزية في مدرسة المهندسخانة فالمعلمين الخديوية.

- وكانت أبرز أعمال دنلوب:

1 - العمل على محاربة اللغة العربية والإسلام والأزهر لذلك عمل على اضطهاد معلمي اللغة العربية من الأزهريين.

2 - نشر لواء اللغة الإنجليزية وتأهيلها للسيطرة الكاملة على كل شئون التعليم، وبذلك أمكنه القضاء على نفوذ اللغة العربية ولقد مضى في ذلك إلى حد أنه جعل تعليم سائر العلوم كالرياضيات والتاريخ، والكيمياء والجغرافيا والرسم باللغة الإنجليزية، وضيق على اللغة العربية تضييقًا كبيرًا.

ومما يذكر أنه كان يسافر كل صيف إلى بريطانيا ثم يعود في أول العام الدراسي، وقد استقدم معه عددًا كبيرًا من الإنجليز حملة الشهادات الأهلية الذين كانوا يعينون بمرتب لا يقل على ثلاثين جنيهًا، وقد اختارهم بنفسه، وقد كان أبرز كتابات هؤلاء المدرسين الكراهية للغة العربية والعداء للحرية، ومحاولة تحطيم آمال الأمة العربية وتغريب التلاميذ واتهام تاريخ العرب والمسلمين وإثارة الشكوك حوله، واتهام الحضارة الإسلامية العربية بالاتهامات المختلفة وذلك لخلق شعور عام بكراهية هذه الأمجاد والنفور منها والسخرية بها، وكانوا يطعنون روح الوطنية في الشباب والقضاء على حماستهم وتهديدهم، وكانوا يصفون الأمة بأنها نصف متحضرة، وقد داسوا على كل عاطفة وطنية واضطهدوا كل شاب أظهر ميلاً أو عاطفة نحو دين أو وطن وأنشئوا نظامًا من التجسس في المدارس يطاردون به الشباب الوطني، وكان محرمًا على كل أستاذ مصري أن يتحدث عن تاريخ مصر أو تاريخ الإسلام بما يبرز عظمة أمتنا، وكان أهم ما يقال إذ ذاك أن مصر بلد زراعي، وأنها ظلت محتلة طوال تاريخها بالفرس والرومان والأتراك والعرب. 
وأنها لن تحكم نفسها أبدًا، وأن جيشها قد هزم في التل الكبير وأن الجنود المصريين ذبحوا ليلة 14 سبتمبر 1882 التي كانت قمرية كما يذبح الخراف وكان محرمًا أن تقرأ جريدة وطنية أو تاريخ الإسلام أو العربية.

وقد قاوم (دنلوب) بنشر التعليم العالي في مصر وقد سجل ذلك كرومر في تقريره سنة 1907 "أن إنجلترا لا تريد نشر التعليم العالي في مصر، وأنها لا تريد إلا إعداد جمهور من طبقة الأفندية ليشغلوا الوظائف الثانوية في الحكومة وأن المصريين لا يصلحون للعلوم العالية، وأن زيادة التعليم تصرف عن فلاحة الأرض وتعود على مصر بالإفلاس".

وقد حرص دنلوب بتوجيه كرومر وبريطانيا على تنفيذ خطة واضحة المعالم للعمل على وقف انتشار التعليم أو ترقيته وسبيلهم إلى ذلك تقليل اعتمادات المعارف، وصرف أغلب المبالغ المعتمدة في بناء القصور المشيدة واقتناء الأثاث الفاخر للمدارس.
وكان دنلوب منفذ هذه السياسة يقول: "إن سياستي في التعلم هي الجودة لا الكثرة"، وهذه مغالطة واضحة.
وكان دنلوب يعمل على قلب المدارس الابتدائية إلى أولية راقية اكتفاء بالمدارس الأميرية في كل مديرية، كما شجع انتشار المدارس الأجنبية وفق غايات سياسية تسير في نفس الاتجاه الاستعماري، وهم بتحطيم كيان الأمة وإفساد معنويتها.

وحرص دنلوب على معاملة الطلبة الوطنيين بمنتهى القسوة فعدل في 1910 المادتين 88 و100 من قانون نظام المدارس بفرض عقوبات على التلاميذ، وفصل كل تلميذ لا يحصل على 20 درجة في السلوك واتخذ من ذلك القانون سلاحًا لخنق الشعور بالحرية وقد سجل مسيو (إدوار لامبير) ناظر مدرسة الحقوق في تقريره الذي نشره في جريدة الطان 1907 بعد أن أبعده كرومر ودنلوب صورة الصراع بين الفرنسيين والإنجليز على المناصب الكبرى في التربية والتعليم وكشف عن الخطة التي رسمها كرومر ونفذها دنلوب في إقصاء الفرنسيين عن المناصب الكبرى في المدارس العالية وتعيين إنجليز بدلاً منهم، دون أن يكونوا في مستواهم من الناحية الفنية، وأنه قد أخرج الأساتذة الفرنسيين من القضاة من مدرسة الحقوق واستبدل بهم شبانًا من الإنجليز عينوا بمجرد تخرجهم من الكليات البريطانية دون أن يكون لهم أي قدر من الكفاية التي تمكنهم من دراسة القانون.

كما أشار إلى الأنظمة الاستبدادية التي اتخذها بالنسبة للطلبة، وكيف عاملهم بقسوة متناهية، واضطهدهم وجرح كرامتهم، مما أحال مدرسية الحقوق معقلاً للوطنية المصرية بحيث أصبح كل طلابها الأربعمائة تابعين للحزب الوطني.
وأن كرومر حين اضطر تحت ضغط الرأي العام إلى تعيين سعد زغلول ناظرًا للمعارف، وعمل على سلب سلطته الفعلية وأشار إلى الخطط التي كان دنلوب يدبرها مع نظار المدارس وكبار الموظفين للاتصال به شخصيًا وتلقى أوامره وتعليماته قبل أن يكتبوا تقاريرهم الرسمية.
وقال لامبير في تقريره: إن الموظف القابض على الإدارة الحقيقية لوزارة المعارف دوجلاس دنلوب.

وفي ظل هذه الفترة التي قضاها دنلوب في وزارة المعارف وقد امتدت إلى عام 1930، ثم تبعه خليفة له في تنفيذ خطة التغريب الكاملة للتعليم على النحو الذي استمر يشق طريقه من بعد، وكان هدف هذا المخطط أساسًا هو تغريب ثقافتنا ومحاولة تدمير شخصيتنا العربية وإحالتها إلى مزيج مضطرب من نتف الثقافات المختلفة ومحاولة التشكيك في عظمة تراثنا الفكري وأمجادنا العربية وتاريخنا الباهر الحافل بالمواقف الخالدة في الدفاع عن الحرية ومقامة الغالب والمشاركة في الحضارة والمدنية وحماية آثارها والإضافة إليها وكان هدف التعليم أساسًا تخريج موظفين، وأدوات، وليس التثقيف العام. 

وقد أبطل دنلوب عديدًا من الكتب المقررة؛ لأنها تتحدث عن القيم العربية الإسلامية وقد كشفت جريدة المؤيد (25 يوليو 1899) عن نماذج من هذا العمل، وقالت: إن هذه الكتب غير موافقة لهدفه من الوجهتين الدينية والسياسية، وذلك بإيرادها قواعد الإسلام، وأركانه مصحوبة بالحكم والآيات والقرآن والأحاديث التي تحث على حب الوطن والتعاون وإصلاح ذات البين، وفي سبيل شجب هذه الكتب أعلن دنلوب أن مثل هذه الكتب غير وافية بحاجات التعليم وأوعز إلى بعض المدرسين الموالين له بأن يضعوا كتبا بديلة لها، تضم بعض خرافات لافونتين، وفي عبارة سقيمة وأسلوب نازل، وأشارت المؤيد إلى أن الشيخ حمزة فتح الله ناضل في سبيل إحباط رأيه، فأعلن دنلوب أن كتب المطالعة يجب أن تكون مجردة خالية من كل ما له مساس بالدين".

ومثل هذا حدث مع عبد العزيز جاويش الذي عاد من بريطانيا بعد الدراسة وقد ناقش دنلوب في منهج مدرسة المعلمين وكان رأيه أن يكون المنهج عامًا واحدًا، فاعترض جاويش، وقال: إن في مدرسة المعلمين في بريطانيا برنامجًا من أربع سنوات فأشار دنلوب إلى أن مدرسة المعلمين تهدف إلى تخريج مدرسين يؤدون واجبًا محدودًا لا يزيد عن إعداد موظفين. 
كان ذلك متمشيًا مع قول كرومر: "عقل بريطاني وأيد مصرية".

وقد واجهت مؤلفات عبد العزيز جاويش نفس مصير مؤلفات علي مبارك وعبد الله فكري فقد أقصيت فعلاً وأُلفت كتب أخرى بدلاً منها تحقق هدف (دنلوب) وهدف التغريب أساسًا.

ولم يجد (دنلوب) قبولاً لعمله ومخططه فقد ظلت الصحف الوطنية توالي مهاجمته وقد تعرضت له اللواء في 9 أكتوبر سنة 1907 فقالت: إن المصريين يعلمون أن دنلوب هو أقول آلة وضعها اللورد كرومر لتعطيل التعليم في مصر وأكبر مقاوم لرقي البلاد من باب المعارف، ومحاولة سد الطرق التي يرقى بها، وأنه يستعمل كل ما أوتي من سلطة وقوة لمحاربة المصريين حتى بالسطو على ذمم الموظفين معه لتجد من ضعفها قوة ومن التلاعب بها السلاح القاتل للأمة".

وقد أبطل دنلوب عام 1988 كتاب علي مبارك وعبد الله فكري "طرق الهجاء"؛ لأنه تحدث فيه عن الفضائل الإسلامية، ورأى أن هذا الكتاب غير موافق لغرضه من الوجهتين الدينية والسياسية بإيراده قواعد الإسلام وأركانه بالحكم والآيات والأحاديث التي تحث على حب الوطن وتعاونه وإصلاح ذات البين وكان هذا الكتاب مقررًا منذ عام 1894 ولكنه بمكره أعلن أن هذا الكتاب غير واف بحاجات التعليم وأوعز إلى بعض أوليائه من المدرسين أن يضع كتابًا يتفق مع المواصفات الاستعمارية فألف الكتاب الجديد حافلاً بخرافات لافونتين في أسلوب سقيم وعبارة نازلة.

كما ألغى دنلوب الباب الوارد في المنهج تحت عنوان العقائد والعبادات الإسلامية، وناضل الشيخ حمزة فتح الله في سبيل إحباط رأيه فكان من قول دنلوب أن كتب المطالعة يجب أن تكون خالية من كل ما له مساس بالدين.

___________________

أعلام وأقزام في ميزان الإسلام 2 / 429 إلى 434
جمع وترتيب: أبو التراب سيد بن حسين بن عبد الله العفاني
الناشر: دار ماجد عسيري للنشر والتوزيع، جدة - السعودية
الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2004 م

القس المبشر دنلوب وتغريب التعليم في مصر

يعد "دنلوب" واضع المخطط الأساسي لتغريب التعليم والتربية وإقصاء الإسلام عن برامج التعليم في المدرسة المصرية، باعتبار أن التعليم وال...