الجمعة، 20 نوفمبر 2020

4- مكر عدونا في الجزائر


كثيرا ما اغتر المسلمون بالمظاهر، مكتفين بها من غير تعمق واستقصاء في البحث إلى دواخل الأمور: وذلك راجع إلى طهارة قلوبهم وحسن نياتهم، ونظرهم إلى الناس بمنظار الإيمان الصافي، لهذا ينخدعون سريعا بالمظاهر، وفي تاريخ الإسلام والمسلمين - القديم والحديث - أمثلة شاهدة على ما قلت إلى يومنا هذا.


                                                                         حداثة المروحة

وفي الجزائر - مثلا - وقعت أمور من هذا النوع، والأمثلة كثيرة - منها قصة بوشناق وبوخريص - باكري - اليهوديين الجزائريين الذين كانت لهما ديون على (فرنسا) فاتفقا معها - سرا - على خيانة الجزائر، وهما أحد أسباب احتلال (فرنسا) للجزائر عام 1830 م.


ومن أمثلة انخداع المسلمين بالمظاهر قصة ذلك الجاسوس الفرنسي "ليون روش"

 الذي أوفدته حكومته (فرنسا) ليكون عينا لها وجاسوسا على "الأمير عبد القادر" رحمه الله وعفا عنه عندما كان يخوض حرب الدفاع عن الجزائر إبان غزو فرنسا لها، عندما وطئت أقدام جندها تراب الجزائر سنة 1830 م - والوقت وقت حذر - فتقدم هذا الجاسوس - ليون روش - الفرنسي إلى الأمير مظهرا إسلامه، وأنه من المسلمين، وأن حكومته - فرنسا - اضطهدته من أجل إسلامه، والمثل العربي القديم يقول - لأَمْرٍ مَّا جَدَعَ قَصِيرٌ أَنْفَهُ - فخصه الأمير بالعطف عليه، وجعله ضمن خاصته وحاشيته، وأخذ يتقرب إليه شيئا فشيئا مظهرا إخلاصه له حتى جعله كاتبه الخاص، فاطلع على كل شيء في محيط الأمير عبد القادر رحمه الله وعفا عنه، فقام بالمهمة التي جاء من أجلها وأسلم لها - ظاهرا - ولما غلب الأمير على أمره في النهاية واستسلم - بعد قتال مرير - لفرنسا كما هو معروف، رجع هذا المسلم الكاذب إلى دينه الأول كما كان، وترك دينه الثاني - الإسلام - لأنه لم يسلم حبا في الإسلام وإيمانا به، بل هو كما قيل: (صلى وصام لأمر كان يقضيه) وقد كتب كتابا ضمنه عمله هذا الذي قام به، والدور الذي لعبه في ذلك، وسمى كتابه هذا (ثلاثون عاما في الإسلام)، وقد طبع الكتاب بالفرنسية وبيع وإن كانت نسخه الآن قليلة، وسنأتي فيما بعد - إن شاء الله - بشيء مما كتبه عن مهمته، وعن الأمير عبد القادر، وعن الإسلام والمسلمين، وما فهمه من الإسلام، وثنائه على ما فيه من حلول للمشاكل الحاضرة لو وجد في المسلمين من يعمل به، وقد عرفت حكومته - فرنسا - منزلته، فأمست عليه نهجا في الجزائر تخليدا لاسمه واعترافا بخدماته لدولته، في سبيل احتلالها للجزائر، حتى لا ينساه أبناؤها.

__________________


المصدر :

المزدكية هي أصل الاشتراكية (صفحة :113-114)


المؤلف: عبد اللطيف القنطري الجزائري (المتوفى: 1404هـ)


__________


الشيخ الدكتور محمد بن موسى الشريف حفظه الله تعالى تكلم عن هذا الجاسوس (ليون روش ) :

https://www.youtube.com/watch?v=fnSOsWG9PeQ&list=PL-lSryY5i0Tg2_aSBb710yynFd1F1BNav&index=6

3- الملك الصغير الأسير

 



بلغ مكر عدونا في الفردوس المفقود الأندلس مبلغا" لم يبلغة في ماكن واي عصر , ولذلك سقطت الأندلس .....


ومن أشد المكر ما حصل لأبو عبدالله الصغير آخر حكام غرناطة :

اعتزم ملك غرناطة الفتى أبو عبد الله محمد، أن يحذو حذو عمه الباسل فى الجهاد والغزو، وأن ينتهز فرصة اضطراب النصارى عقب الهزيمة، فخرج فى قواته فى شهر ربيع الأول سنة 888 (ابريل سنة 1483) متجهاً نحو قرطبة، شمال غربى غرناطة، واجتاح فى طريقه عدداً من الحصون والضياع، وهزم النصارى فى عدة معارك محلية. ثم ارتد مثقلا بالغنائم فى طريق العودة، فأدركه النصارى فى ظاهر قلعة اللّسانة   وكان يزمع حصارها.

ونشبت بين الجيشين معركة هائلة ارتد فيها المسلمون إلى ضفاف نهر شنيل، وقتل وأسر كثير من قادتهم وفرسانهم، وكان بين الأسرى السلطان أبو عبد الله محمد نفسه ، عرفه الجند النصارى بين الأسرى أو عرّفهم بنفسه خشية الاعتداء عليه، فأخذوه إلى قائدهم الكونت دى كابرا (قبره) فاستقبله بحفاوة وأدب، وأنزله بإحدى الحصون الغربية تحت حراسة قوية.

وأخطر فى الحال ملكى قشتالة بالنبأ السعيد، فأمر فرناندو أن يؤتى بالأسير الملكى إلى قرطبة، وأن يستقبل استقبال الأمراء؛ فأخذ أبو عبد الله وأصحابه إلى قرطبة فى حرس قوى، واحتشد أهل قرطبة لرؤية موكب الملك المسلم، وكان أبو عبد الله يرتدى ثوباً من القطيفة السوداء، ويمتطى حصاناً أسود عليه سرج ثمين، وكان وجهه يشع كآبة، وأخذ الملك الأسير أولا إلى دار الأسقف المواجه للمسجد الجامع، ثم أخذ بعد ذلك إلى أحد القلاع الحصينة، وعومل هناك بإكرام وحفاوة، وأقام فى أسره مكتئباً ينتظر يوم الخلاص.


وعاد المسلمون إلى غرناطة دون ملكهم، وقد مزقتهم الهزيمة وفتت فى عزائمهم، فارتاعت العاصمة لهذه النكبة واضطرب الشعب، وساد الوجوم قصر الحمراء، وسرى الحزن والأسى إلى حرم الأمير وقرابته، ولم يحتفظ فيها بهدوئه وسكينته سوى أمه الأميرة عائشة.

واجتمع الكبراء والقادة وقرروا استدعاء أبى الحسن السلطان المخلوع ليجلس على العرش مكان ولده الأسير.

ولكن أبا الحسن كان قد هدمه الإعياء والمرض وفقد بصره، ولم يستطع أن يضطلع بأعباء الحكم طويلا، فنزل عن العرش لأخيه محمد أبى عبد الله "الزغل" حاكم مالقة، وارتد إلى المنكَّب فأقام بها حيناً حتى توفى (890 هـ - 1485 م).


وجلس "الزغل" على العرش يدبر شئون المملكة، وينظم الدفاع عن أطرافها.

أما السلطان أبو عبد الله محمد فلبث يرسف فى أسره عند النصارى.

وأدرك ملكا قشتالة فى الحال ما للأمير الأسير من الأهمية، وأخذا يدبران أفضل الوسائل للاستعانة به فى تحقيق مآربهما فى مملكة غرناطة، وبعد إمعان البحث والتدبير رؤى أن يُفرج عن الملك الأسير لقاء أفضل الشروط التى يمكن الحصول عليها، لأن هذا الإفراج من شأنه أن يزيد فى اضطرام الحرب الأهلية بين المسلمين، وأن يعاون بذلك فى إضعاف قواهم والتمهيد لسحقهم. 

( دولة الإسلام في الأندلس الجزء الخامس 204-205)


وهذا الذي حصل بعد ذلك مع الأسف إشتعلت فتنة كبيرة بين الزغل وابن اخية الصغير , وانهكت قوى المسلمين , فما كان من الزغل إلا أن يذعن ويترك غرناطة لإبن اخية .

ولكن بعد ان دمر الكثير ..

وبعدها حدثت المأساة ....


ما فعلة ملكى قشتالة من ابقاء الصغير وبعدها اطلقوة لمحاربة عمة مكر كبير وتدمير لقوى المسلمين .

 والتاريخ يعيد نفسة ,اكتب هذة المقالة ونحن في 18من ذو الحجة 1435 الموافق 12-10-2014 والغرب يضرب قوى المسلمين ببعضهم ويستنزفهم ! ومع الأسف لا نتعلم من تاريخنا ....

2- بداية جواسيس العدو في بلاد المسلمين


في غزوة تبوك تخلف ثلاثة من سادتنا الصحابة رضي الله عنهم وهم :

مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ العَمْرِيُّ، مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَهِلَالُ بْنُ (أَبِي) أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيَّ , و كَعْبَ ابْن مَالِكٍ .

وقصتهم مشهورة ونزلت توبتهم في سورة التوبة .

وصاحب هذة القصة هو سيدنا كعب ابن مالك رضي الله عنه , يقول :

بَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِالسُّوقِ، إذَا نَبَطِيٌّ يَسْأَلُ عَنِّي مِنْ نَبَطِ الشَّامِ، مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ.

يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَيَّ كَعْبَ ابْن مَالِكٍ؟

قَالَ: فَجَعَلَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إلَيَّ، حَتَّى جَاءَنِي، فَدَفَعَ إلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، وَكَتَبَ كِتَابًا فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَإِذَا فِيهِ:

«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ» .

قَالَ: قُلْتُ حِينَ قَرَأْتهَا: وَهَذَا مِنْ الْبَلَاءِ أَيْضًا، قَدْ بَلَغَ بِي مَا وَقَعْتُ فِيهِ أَنْ طَمِعَ فِيَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ.

قَالَ: فَعَمَدْتُ بِهَا إلَى تَنُّورٍ، فَسَجَرْتُهُ بِهَا.

( السيرة النبوية لابن هشام )



هذا مكر عدونا في الماضي فما بالكم في عصرنا !!

العجيب كيف عرف بأمر سيدنا كعب وصاحبية رضي الله عنهم.

وكيف أرسل الجواسيس!

ولاشك أن عدونا تطور في عصرنا.

ولكن إذا كان هناك رجال كسيدنا كعب رضي الله عنه فلا نخشى مكر عدونا , ولكن من يقرأ تاريخنا يرى أن هناك من خدع ومن أغراه العدو بالمال والجاه وخان أمته .

1- شاس بن قيس اليهودي وإشعال الفتنة بين الأوس والخزرج


كان شأس بن قيس شيخا قد عسا (1) ، عظيم الكفر، شديد الضغن (2) على المسلمين، شديد الحسد لهم، فمر على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية.

فلما أن جاء الإسلام اصطلحوا وألف الله بين قلوبهم.

فقال: " لقد اجتمع ملأ بني قيلة (3) بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار ".

فأمر فتى شابا من يهود كان معه فقال: " اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بعاث وما كان قبله وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار.

ففعل، فأنشدهم بعض ما قاله أحد الحيين في حربهم، فكأنهم دخلهم من ذلك (شئ) فقال الحي الآخرون: وقد قال شاعرنا في يوم كذا: كذا وكذا (فقال الآخرون: وقد قال شاعرنا في يوم كذا: كذا وكذا، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجلان من الحيين: أوس بن قيظي (أحد بني حارثة بن الحارث) من الأوس، وجبار بن صخر (أحد بني سلمة) من الخزرج، فتفاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: " إن شئتم رددناها الآن جذعة (4) ".

فغضب الفريقان جميعا، وقالوا: " قد فعلنا، موعدكم الظاهرة - والظاهرة الحرة (5) - السلاح السلاح ".

فخرجوا إليها.

(فانضمت الأوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في

الجاهلية).

فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال: (( يا معشر المسملين: الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بينكم، فترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا )) .

فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدوهم: عدو الله شاس بن قيس، فأنزل الله تعالى: { قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون () قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون } (آل عمران 98، 99).

وأنزل الله في أوس بن قيظي، وجبار بن صخر، ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا ما أدخل عليهم شأس من أمر الجاهلية: { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين () وكيف تكفرون وأنتم تتلى على عليكم آيات الله وفيكم رسوله، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم } (آل عمران 100، 101). (6)






اليهود أعدائنا إلى يوم الدين والمكر صفة من صفاتهم, كان هذا اليهودي اللعين شاس أن يشعل الفتنة بين سادتنا الأنصار رضي الله عنهم وذكرهم في حرب كانت بينهم في الجاهلية ( أي بين الأوس والخزرج قبل أن يجمعهم الإسلام بإسم الأنصار ) ولكن الرسول صلى الله علية وسلم تدارك الموقف .

ونحن في عصرنا لابد أن نستفيد من هذة القصة ونحذر من أحفاد شاس الذي يشعلون الفتن بذكر مآسي الماضي, وكذلك لنا في قدوتنا وحبيبنا أبا القاسم صلى الله علية وسلم قدوة في الإصلاح بين الناس وعدم ترك امثال شاس أن يشعل الفتن .

وكم في عصرنا من امثال هذا اللعين ساش في إذكاء الفتن بين الدول الإسلامية وبين القبائل والشعوب الإسلامية, خاص في عصرنا الحديث في إشعال فتنة القومية البغيضة والتي فرقت شمل المسلمين لعقود طويلة مع الأسف .


_____________________




(1) أي كبر وأسن.

(2) الحقد.

(3) أم الأوس والخزرج.

(4) أي أحدثنا الحرب.

(5) وهي الأرض ذات الحجارة السود.

(6) سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد .
للإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي رحمة الله تعالى .

عدونا بين اليوم والأمس (مقدمة)

 



بسم الله والحمد لله كالذي نقول وخيرا" مما نقول والصلاة والسلام على المربي القدوة المبعوث رحمه للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين :-


كنت قد قرأت سلسلة قيمة للأستاذ الدكتور شوقي أبوخليل رحمه الله تعالى بعنوان :
"المعارك الكبرى في تاريخ الإسلام" 20 كتاب وعند قرائتي لمقدمة (نهاوند فتح الفتوح) ذكر عن مكر
، عدونا في الماضي وأن الأجداد كان متيقظين بعكس أحفادهم خاصة في القرون المتأخرة، وعندها جمعت بعض قصص مكرعدونا وكيف كانوا يخططون ويمكرون بأسلافنا، وأقصد بهذا الجمع أن نكون يقظين من مكر أحفادهم بدراسة مكر أجدادهم.

أرجو من ربنا المعين العليم أن يوفقني في كشف مكر عدونا في عصرنا بدراسة مكر أجداهم لأجدادنا .

وهنا مقدمة كتاب (نهاوند فتح الفتوح) :















هل يعيد التاريخ نفسه؟! «ما أشبه الليلة بالبارحة!»

 

هل يعيد التاريخ نفسه؟!
«ما أشبه الليلة بالبارحة!»

رأفت صلاح


التاريخ ليس سرداً للأحداث ولا تسجيلاً للوقائع، ولكنه عرض لذلك كله مع التفسير والتحليل، واستخراج للعبر والدروس من هذه الأحداث، هكذا ينبغي علينا أن نفهم التاريخ كما فهمه أسلافنا؛ فملكوا الدنيا وخضعت لهم العرب والعجم.

يُعرّف ابن خلـدون التاريخ فيقول: «.. فإن التاريخ من الفنون التي تتداولها الأمم والأجيال، وتشد إليها الركائب والرحال. وهو في ظاهره لا يزيد عن أخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأولى، وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق؛ فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق»(1).

بين أيدينا الآن قصة وقعت أحداثها في بدايات القرن العاشر من الهجرة؛ ولها صلة وثيقة بما يحدث من أحداث في واقعنا المعاصر، هذه القصة ذكرها الأستاذ «محمود شاكر» صاحب «موسوعة التاريخ الإسلامي» في كتابه «المغالطات»، طبعة المكتب الإسلامي، وسوف نقف معها ونذكرها مثالاً لأحداث التاريخ الإسلامي، وكيف تُستخرج منها الدروس والعبر؟

يقول الأستاذ محمود شاكر - باختصار -:
«عندما احتل البرتغاليون (عدن) عام 919 هـ رفض أهل هذا البلد الاحتلال، وقاوموه بما يملكون، ولكن استطاع البرتغاليون أن يقهروا السكان بما يحوزون من أسلحة نارية حديثة، واضطر القسم الأكبر من العدنيين إلى ترك موطنهم واللجوء إلى الأراضي المجاورة؛ حيث عُرفوا هناك باسم «اللاجئون»، وأُجبر القسم الأكبر من العدنيين على الخنوع والبقاء في ديارهم تحت عصا الذل وسيف الإرهاب، وحرصت الدول المجاورة، كمصر التي يحكمها المماليك، أن تقاتل البرتغاليين ولكنها هُزمت.

- نجحت البرتغال في أن تمد قنوات بينها وبين حكام الدول المجاورة عن طريق المال والمصالح والسلاح، وكان التعاون بينهم في سرية بعيداً عن أعين السكان؛ حيث كانت الشعوب ترفض هذا التعاون رفضاً تاماً، فأظهر الحكام أنهم يعادون البرتغال وهم يلتقونهم سراً ويجتمعون معهم.

- البرتغاليون أنفسهم - من باب المغالطة - يهاجمون هذه الدول علناً؛ حتى يلبسوا على الناس أمرها.

- لم يجرؤ أحد على الدعوة إلى الرضا بالأمر الواقع أو الدعوة إلى السلام.

- كان المخطط الصليبي يقضي بأن يتقدم كل حاكم خطوة، ولكن طالت المدة وزادت على خمسة عشر عاماً.

- فهنا برزت فكرة جديدة؛ وهي أن يتولى حل المشكلة أحد أبناء عدن، ولا سيما من الذين يعيشون خارج مدينة عدن؛ ليكون بعيداً عن البرتغاليين، ولتكون له الحريـة، فـوقـع الاختيار على شـاب لم يتجـاوز الثلاثـيـن من عـمـره يُدعـى «عبد الرؤوف أفندي»، فعرض عليه أحد السلاطين العملاء أن يختار معه شباباً يثق بهم؛ ليقوموا بتأسيس منظمة تعمل على طرد البرتغاليين المغتصبين، وتقوم السلطات بدعم هذه المنظمة ومدّها بما تحتاج إليه.

وتعهد السلاطين بحمايتها ومد يد العون لها، ودعوة أعوانهم للانضمام إليها؛ (فتبني أهل البلد مهمة العمل أفضل، وخاصة أمام المحافل الدولية)، ومُنح «عبد الرؤوف» وعد بأنه سيكون له شأن كبير وإمكانات مادية عالية، هذا بجانب السلطة العسكرية وإصدار الأوامر.

- وافق «عبد الرؤوف»، وحَلَّتْ منظمته محل حركة مفتي عدن، واشترطوا عليه ألا يخرج عن رأي السلاطين.. وهكذا كان.

- بدأ «عبد الرؤوف» اللعبة وأصبح اسمه «ياسين»، وادعى النسب الحسيني، وأسس منظمته، وأنشأ فصائل للقتال، وانخرط في صفوفها كثير من العدنيين المشردين، وبدأت تخوض المعارك، وتدخل إلى الأرض المحتلة وتقوم ببعض العمليات الناجحة، فارتفعت أسهمه، وأصبح في مصاف القادة ورواد الأمل في العودة لدى المشردين.

- نادى «ياسين» بحمل السلاح بوصفه الحل الوحيد لإنهاء المشكلة، واللغة الوحيدة التي يفهمها العدو، وصار لا يقبل المهادنة ولا المساومة، وبالمقابل شن عليه الأعداء حملة شعواء واتهموه ومنظمته بالتخريب و...، وتدفقت عليه أموال التبرعات والمعونات، وأصبح على مستوى السلاطين.

- شن البرتغاليون غارات على مخيمات اللاجئين، وقاموا بعدد من المذابح الرهيبة؛ وذلك لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع.

- ضغطت الدول الأوروبية على السلاطين لإنهاء المشكلة، فعقدوا اجتماعاً وقرروا الاعتراف بالوضع البرتغالي في عدن؛ على أن يتولى إعلان ذلك الزعيم العدني «ياسين».

- وانتفض العدنيون المقيمون في موطنهم؛ مما دعا الأوروبيين إلى عقد مؤتمر عالمي لإحلال السلام في المنطقة وإنهاء المشكلة.

- أنيطت القضية بالزعيم «ياسين» الذي أعلن أنه مستعد لحضور المؤتمر العالمي، وأنه يتحدى البرتغال أن تحضر! - وهي التي تتمناه -، فتمنعت تمنع الراغب لإتمام اللعبة وإخفائها عن الشعب، وتقوية موقف «ياسين» وإبرازه على أنه هو الذي يدعو وهي التي ترفض؛ أي أن الممتنع هو الموافق، والراضي هو الرافض!

- أعلن أحد السلاطين أنه تخلى عن عدن، وأن أهلها أحرار يحلون أمورهم بأنفسهم! - وهو الذي كان يعدُّ عدن جزءاً من أرضه -، فأصبحت عدن وحدها أمام البرتغاليين.

- أعلن «ياسين» أن لأهل عدن حكومة خاصة، وأنه على استعداد للاعتراف بالكيان البرتغالي، وبذلك أصبحت هناك حكومتان؛ إحداهما لأهل عدن المشردين، والأخرى للبرتغاليين ولهم الجزء الأكبر من عدن!!

- استمر هذا الوضع حتى جاء العثمانيون عام 945 هـ وطردوا البرتغاليين من المنطقة.

- وقف أهل عدن يفكرون بالدور الذي مارسه «ياسين» عليهم؛ منهم من قال بقي «ياسين» يغالط علينا حتى وصل بنا إلى ما كنا نخشاه، ووافق على كل هذه الحلول التي كنا نرفضها، أعطيناه القيادة ليبيع قضيتنا، ليبيع أرضنا، ليبيعنا. بعدها بدؤوا يبحثون عن أصله ولكن.. فات الأوان.

- أما أعوانه فيقولون: إن الطرق كلها مسدودة، والحلول التي طُرحت قد أجهضت أو أخفقت، وليس أمامنا سوى ما تم.

ما أشبه الليلة بالبارحة!!»(2).

بعد عرض أحداث هذه القصة نورد هذه التعليقات المهمة:

1- تشبه هذه القصة بأحداثها ما يحدث في واقعنا المعاصر؛ مما يدل على تشابه مخططات أعداء الإسلام عبر التاريخ في محاربة هذه الأمة، وصناعة العملاء الذين يكون لهم الدور الأهم في هذا العداء.

كما تبين القصة استمرارية هذا الصراع، وأنه لا يهدأ أبداً وإن اختلفت صوره؛ فإنهم كما قال - تعالى -: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217].

2- بيان حال المسلمين عند بعدهم عن دينهم الذي هو مصدر عزتهم؛ إذ يصيبهم الضعف والوهن، ويتمكن أعداؤهم منهم؛ مما يؤدي إلى تشتتهم في البلاد لاجئين، أو وقوعهم تحت عصا الذل وسيف الإرهاب في بلادهم على يد أعدائهم، هذا كله بسبب تنكبهم لطريق الهداية في كل زمان.

3- بيان حال حكام المسلمين الذين هم إما صنيعة الأعداء أو عملاء مخلصون لأسيادهم؛ بسبب عبوديتهم للمال والسلطة والمصلحة، فهم لا يهمهم مصلحة أوطانهم، ولا حماية ديار المسلمين، ولا الذود عن الإسلام؛ المهم عندهم هو كراسيهم وعروشهم حتى لو تعاونوا مع أعدائهم. وهذه صورة لما يحدث في كل زمان على يد بعض هؤلاء الحكام العملاء.

4- مدى السذاجة التي تتصف بها بعض الشعوب المسلمة؛ سواء مع حكامهم أو مع أعدائهم؛ حيث يكونون مغيبين لا وعي عندهم ولا دور لهم في الأحداث، هذا سببه في المقام الأول هو البعد عن مصدر العزة الأساسي ألا وهو الإسلام، فالمسلمون عند تمسكهم بدينهم يكون لديهم استعداد للجهر بالحق، ولا يكون للكافرين عليهم سبيلاً، أما عند بعدهم عن دينهم فهم أذل الخلق وأهونهم؛ لا يهمهم إلا إتيان الشهوات، يتلاعب بهم أعداؤهم وهم لا وعي عندهم بما يجري من أحداث.

5- لا يستطيع الزعماء والحكام والسلاطين العملاء أن يتحكموا في رقاب الناس إلا بخداعهم وغشهم، وتغييب وعي الناس عن طريق وسائل إعلامهم في كل عصر، فمن مَدْحٍ للزعيم وتضخيم لدوره، إلى شتم للأعداء أحياناً، إلى دعوة للسلام.. هذا كله لتغييب الشعوب وخداعها.

6- صناعة الزعماء: وهذا أهم هذه التعليقات، فهذه القصة توضح بجلاء كيفية صناعة الزعماء، وهذا ديدن أعداء الإسلام في كل زمان، فهم يختارون شخصية نفعية لا تحب إلا مصلحتها وتعشق السلطة والمال، ثم يحاولون صناعته عن طريق إبراز دوره وتضخيم أعماله، فيحدث التلميع لهذه الشخصيات حتى تصير زعماء، وهذا هو الدور الخطير الذي تمارسه وسائل الإعلام، وهكذا تم صناعة ياسين وغيره قديماً.

وحديثاً: عندما رحل الاحتلال عن بلاد المسلمين ترك خلفه صنائع هي من صنع يديه، وحتى يُمَكِّن لها قام بتلميعها وتضخيم دورها حتى تكون هي الزعامة.. وفقط، فهذا «الزعيم الملهم»، وذلك «القائد»، وذلك «الغازي»، وذلك «الرئيس المؤمن».. هكذا صنعوا أتاتورك، وسعد زغلول، وجمال عبد الناصر، وياسر عرفات.. وغيرهم ممن تحكموا ويتحكمون في رقاب المسلمين، هكذا استطاع أعداء الإسلام إنتاج صنائع لهم وعملاء ووكلاء يؤدون ما يُطلب منهم؛ في جميع المجالات وليس في السياسة فقط. وهذه القصة صورة مصغرة لطريقة تكوين الزعماء والأبطال والفاتحين المزورين؛ فكم من مرة حولوا الجهاد لصالحهم، وسرقوا الثورات والانتصارات؟! وكم من مرة تاجروا بقضايا المسلمين؟!

إن ما يحدث الآن في القضية الفلسطينية والدور الذي يقوم به الآن «ياسر» هو الدور نفسه الذي كان يقوم به «ياسين»، فكم من «ياسين» صنعوه، وكم من نصر سرقوه؟!

حقاً.. ما أشبه الليلة بالبارحة!

----------------------------
(1) عن كتاب: أيعيد التاريخ نفسه؟! محمد العبدة، المنتدى الإسلامي، الغلاف.
(2) المغالطات، باختصار، ص 79 - 86.


الخميس، 12 نوفمبر 2020

الوزير العدل علي بن عيسى


علي بن عيسى بن داود بن الجراح البغدادي الكاتب الوزير العدل، وزر مرات للمقتدر، ثم للقاهر، وكان دينا خيرا عالما محدثا عالي الإسناد.
روى عن أحمد بن بديل، والحسن الزعفراني، وطائفة.
وروى عنه جماعة آخرهم ابنه عيسى في «أماليه».
قيل: كان في الوزراء كعمر بن عبد العزيز في الخلفاء.

قال القاضي أحمد بن كامل: سمعت الوزير علي بن عيسى يقول: كسبت سبع مائة ألف دينار، أخرجت منها في وجوه البر ست مائة ألف وثمانين ألف دينار.

يحكى: أن بعض المضطرين من أهل الخير المعولين رأى النبي صلّى الله عليه وسلم في وقت ضرورة وهو يقول: إذا أصبحت .. فاذهب إلى الوزير علي بن عيسى وقل له:
بأمارة ما صلّى عند قبري كذا وكذا مرة .. يدفع إليك كذا وكذا، وعين شيئا كثيرا من الصلاة عليه ومن المال، فلما أصبح الرجل .. ذهب إلى الوزير ومعه المقرئ أبو بكر بن مجاهد المشهور.
فقال الوزير لابن مجاهد: ما حاجتك يا أبا بكر؟ 
قال: يدني الوزير هذا الشيخ ويسمع كلامه، فسأل ذلك الشيخ عن قصته، فأعلمه بضرورته وما قال له النبي صلّى الله عليه وسلم، فذرفت عينا الوزير وقال: صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وصدقت أيها الشيخ، هذا شيء لم يكن اطلع عليه إلا الله عزّ وجل ورسوله، ثم استدعى بالكيس، فعدّ له ألفا وقال: هذا ما أمر به رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ثم عد له ألفا أخرى وقال: هذا شكر ما ذكرت عن النبي صلّى الله عليه وسلم.
قال الشيخ اليافعي: (وأشك في ألف ثالث دفعه إليه بشارة).

ركب علي بن عيسى الوزير يوما في موكبه، فصار الغرباء يقولون: 
من هذا، من هذا؟ ! فقالت امرأة: إلى كم تقولون: من هذا، من هذا؟ ! هذا عبد سقط من عين الله، فابتلاه الله بما ترون، فسمعها علي بن عيسى، فرجع إلى منزله، فاستعفى من الوزارة، وذهب إلى مكة وجاور بها، وتوفي سنة أربع وثلاثين وثلاث مائة.

_______________

أبو محمد بامخرمة (المتوفى: 947 هـ): 
قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر 2 / 93 - 94 - دار المنهاج - الطبعة: الأولى، 1428 هـ - 2008 م.

القس المبشر دنلوب وتغريب التعليم في مصر

يعد "دنلوب" واضع المخطط الأساسي لتغريب التعليم والتربية وإقصاء الإسلام عن برامج التعليم في المدرسة المصرية، باعتبار أن التعليم وال...