الجمعة، 4 يناير 2019

عاشق المبارزة



عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف بن قصي. وأمه عاتكة بنت أبي وهب بن عمرو ابن عائذ بن عمران بن مخزوم .
قال: أخبرنا محمد بن عمر. قال: حدثني هشام بن عمارة.
عن أبي الحويرث. قال: أول قتيل قتل من الروم يوم أجنادين«1». برز  بطريق معلم «2» يدعو إلى البراز. فبرز إليه عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب.
فاختلفا ضربات. ثم قتله عبد الله بن الزبير ولم يعرض لسلبه. ثم برز آخر يدعو إلى البراز. فبرز إليه عبد الله بن الزبير. فتشاولا «3» بالرمحين ساعة.
وصارا إلى السيفين. فحمل عليه عبد الله بن الزبير فضربه- وهو دارع «4» - على عاتقه وهو يقول: خذها وأنا ابن عبد المطلب. فأثبته وقطع سيفه الدرع وأسرع في منكبه. ثم ولى الرومي منهزما.

وعزم عليه عمرو ابن العاص أن لا يبارز. فقال عبد الله: إني والله ما أجدني أصبر. فلما اختلطت السيوف. وأخذ بعضها بعضا. وجد في ربضة «5» من الروم عشرة حجزة «6» مقتولا. وهم حوله قتلى وقائم السيف في يده قد غري «7» . فبعد نهار ما نزع من يده. وإن في وجهه لثلاثين ضربة بالسيف.

قال: محمد بن سعد: قال محمد بن عمر: فحدثت بهذا الحديث الزبير بن سعيد النوفلي فقال: سمعت شيوخنا يقولون: لما «8» انهزمت الروم بعد أجنادين. انهزموا عند العصر. فولوا في كل وجه. وعسكر المسلمون موضعا. فاجتمعوا فيه ونصبوا راياتهم. وبعثوا في الطلب وأن لا يمعنوا «9» قدر ما يرجع إلى العسكر قبل الليل.
وتفقد الناس حوامهم «10» وقراباتهم.
فقال الفضل بن العباس: عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب؟
فقال عمرو: انطلق في مائة من أصحابك فاطلبه.
فقال قائل: عهدي به في الميسرة وهو منفرد.
فانطلق الفضل في أصحابه في الميسرة نحوا من ميل أو أكثر.
فيجده مقتولا في عشرة من الروم قد قتلهم.
ويجد السيف في يده قد غري قائمه.
فما خلصوه إلا بعد عناء. ثم حفروا له وقبروه ولم يصل عليه. ثم رجعوا إلى عمرو فأخبروه فترحم عليه.
قال محمد بن عمر: وكان فتح أجنادين «11» يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وكان عبد الله بن الزبير يوم قبض النبي صلى الله عليه وسلم  له نحو من ثلاثين«12» سنة ولا نعلمه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ولا روى عنه حديثا «13».

وكان رضي الله عنه ممن ثبت مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين هو والعباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وأبو سفيان بن الحارث وعقيل بن أبي طالب والزبير بن العوام وأسامة بن زيد رضي الله عنهم «14» .

وحكى المبرّد في «الكامل» أنّ عبد اللَّه بن الزّبير أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فكساه حلّة، وأقعده إلى جنبه، وقال: «إنّه ابن أمّي» ، وكان أبوه بي برّا.
ويقال: إنّ الزّبير بن عبد المطلب كان يرقص النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم هو صغير ويقول: محمد بن عبدم. عشت بعيش أنعم. في عزّ فرع أسنم «15».

وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول له-: ابن عمي وحبّي،

ومنهم من يقول: كان ابن أمي ولم يعقّب، قاله ابن قتيبة«16».
________________________________________________

(1) أجنادين: بفتح الدال- بلفظ التثنية- وبكسرها- بلفظ- الجمع- وهو موضع من نواحي فلسطين بين الرملة وبين بيت جبرين (معجم البلدان: 1/ 103) .
(2) معلم: هو الذي يجعل لنفسه علامة في الحرب (اللسان: 12/ 419) .
(3) تشاولا: تشاول القوم إذا تناول بعضهم بعضا عند القتال بالرماح (اللسان: 11/ 377) .
(4) أي الرومي لابس للدرع.
(5) ربضة: بكسر الراء وسكون الباء- الجماعة من الناس (اللسان: 7/ 149) .
(6) حجزة: أي مجتمع بعضهم إلى بعض (تاج العروس: 15/ 95) .
(7) غري: أي لصق مقبض السيف في يده من أثر الدم ويبست يده عليه. (لسان العرب: 15/ 121) .
(8) في تاريخ دمشق (ص: 372) ، لا، بدل لما.
(9) في نفس المصدر والصفحة، وألا يغنوا، وهو خطأ. ومعنى أمعن: تباعد. يقال: أمعنوا في بلد العدو وفي الطلب: أي وجدوا وأبعدوا (لسان العرب: 13/ 409) .
(10) في نفس المصدر، حرامهم، وهو محتمل ولكنها في مخطوطة ابن سعد حوامهم- بالواو بعد الحاء المهملة- والمراد ما حولهم في ميدان المعركة ومن يكون معهم من الأتباع والمعارف (لسان العرب: 12/ 162 مادة حوم) .
(11) هذا قول الواقدي. وذكره البلاذري في فتوح البلدان (ص: 121) دون إسناد. ثم قال: ويقال: لليلتين خلتا من جمادى الآخرة. ويقال: لليلتين بقيتا منه. وجمهور الرواة على أنها في شهر جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة. وبعضهم حددها بيوم السبت لليلتين بقيتا من جمادى الأولى. (انظر الأزدي فتوح الشام: ص 93، وتاريخ خليفة: ص 119) وتاريخ الطبري: 3/ 418. 419. وتاريخ دمشق: 1/ ل 236. 237. وأحمد عادل كمال. الطريق إلى دمشق (ص: 282) .
(12) ذكر هذا ابن عبد البر في الاستيعاب: 3/ 905. وابن الأثير في أسد الغابة: 3/ 241. ونسبه ابن حجر في الإصابة: 4/ 89 إلى الواقدي. وفي العقد الثمين: 5/ 140 قال: استشهد بأجنادين عن نحو ثلاثين سنة. ولسائل أن يقول: إذا كان هذا عمره يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. فما وجه إدخال ابن سعد له في الطبقة الخامسة من الصحابة؟ ومن المعلوم أنه حدد أصحاب هذه الطبقة بأنهم الذين توفي رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وهم أحداث الأسنان ولم يغز أحد منهم معه. وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب لم يكن حدث السن وقت وفاة النبي  صلى الله عليه وسلم  كما توضحه الرواية وكما يدل عليه اشتراكه في معركة أجنادين. وبهذه الصفة من المبارزة والإثخان في العدو. ولعل ابن سعد نظر إلى كونه لم يغز مع النبي  صلى الله عليه وسلم  كما نص على ذلك. ولكن هل كل من لم يغز مع النبي  صلى الله عليه وسلم  يدخل في هذه الطبقة وإن كان كبيرا في السن؟ لقد نقل الحافظ في الإصابة: 4/ 89 عن الزبير بن بكار من طريق حسين بن علي قال: كان ممن ثبت يوم حنين العباس وعلي وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب وغيرهم. قال الحافظ: وكذا قال الواقدي وابن عائذ وأبو حذيفة. قلت: فإن كان محفوظا أنه اشترك في حنين. فلا يكون من أهل الطبقة الخامسة. وبمراجعة السيرة النبوية بتهذيب ابن هشام: 2/ 443 نجد ابن إسحاق ينص على أسماء الذين ثبتوا مع رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يوم حنين من أهل بيته فلا يذكر منهم ابن الزبير هذا. وابن إسحاق أوثق وأعلم بالسيرة من هؤلاء الذين ذكرهم ابن حجر. وصنيع ابن سعد في جعله من الطبقة الخامسة يؤكد ما ذهب إليه ابن إسحاق والله أعلم.
(13) ابن سعد (ت: 230هـ): الجزء المتمم لطبقات ابن سعد [الطبقة الخامسة في من قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهم أحداث الأسنان] 2 / 26-27-28-29
تحقيق: الشيخ محمد بن صامل السلمي
(14)  ابن منظور (ت: 711هـ): مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 12 / 168-169

(15) ابن حجر العسقلاني (المتوفى: 852هـ): الإصابة في تمييز الصحابة 4/ 78

(16) الصالحي (ت: 942هـ): سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد 11 / 140



الأَمِيْرُ، أَبُو حَكِيْمٍ مَالِكُ بنُ عَبْدِ اللهِ الخَثْعَمِيُّ، الفِلَسْطِيْنِيُّ.
يُقَالُ: لَهُ صُحْبَةٌ، وَلَمْ يَصِحَّ.
كَانَ مِنْ أَبْطَالِ الإِسْلاَمِ، قَادَ جُيُوْشَ الصَّوَائِفِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ، كُسِرَ عَلَى قَبْرِهِ - فِيْمَا قِيْلَ - أَرْبَعُوْنَ لِوَاءً.
وَكَانَ ذَا حَظٍّ مِنْ صِيَامٍ، وَقِيَامٍ، وَجِهَادٍ.
تُوُفِّيَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سِتِّيْنَ، أَوْ بَعْدَهَا .

___________________________
سير أعلام النبلاء 4/109

الأمير عبد الكريم الخطابي







قاض شرعي ، ومدرس ، وصحفي ، ومجاهد ، وأمير ، ورئيس دولة . نعم ، هذه الصفات اجتمعت كلها في شخصية فريدة هي شخصية الأمير الكبير عبد الكريم الخطابي يرحمه الله تعالى . ولئن سألت الناس عنه في زماننا هذا لما عرفه إلا القلي ل، وهذه مصيبة كبرى من مصائبنا ؛ إذ كم للإسلام من أبطال عميت سيرتهم على أكثر أهل زماننا هذا ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
ولد في بلدة "أغادير" في الريف المغربي بين "مليلية" و"تطوان" سنة 1301 هـ/1883م ودرس القرآن والعربية ، وذهب لإكمال دراسته ، إلى "مليلية" وجامعة القرويين ب"فاس" ، وعاد منها ليُعيَّن نائباً للقاضي في "مليلية" ، ثم قاضياً ، ثم صار أقضى القضاة (قاضي القضاة) وعمره آنذاك لم يتجاوز الثالثة والثلاثين ، وهذا دليل على نبوغ مبكر ، وكتب في الصحف ، ودرس في بعض المدارس ، وكان أبوه أميراً على البربر الذين في الريف المغربي ، وجاهد مع أبيه في الحرب العالمية الأولى مع الدولة العثمانية ، وذلك سنة 1334هـ/1915م .
اعتقاله :
واعتقله الإسبان الذين كانت بأيديهم "سبتة" و"مليلية" وهي إلى الآن بأيديهم ، وهذه من المصائب التي لا يعرفها أكثر المسلمين ، لمدة 4 أشهر ليضغطوا على أبيه حتى يكف عن الجهاد ، وذلك أن الإسبان كانوا يريدون أن يتوسعوا ، ويخرجوا من "سبتة" و"مليلية" ليحتلوا باقي مناطق المغرب الأقصى الشمالية ؛ لكنهم لما حققوا مع الابن فاجأهم بألوان من العزة والثبات ، وأخبرهم أنه لا مناص له ، ولا لأبيه إلا أن يقاتلوا مع الدولة العثمانية ، فاضطروا لسجنه ؛ لكنه تدلى بحبل من السجن ليفر ؛ إلا أن الحبل كان قصيراً فتأرجح في الهواء فرمى بنفس ه، فانكسرت ساقه ، وأغمي عليه من الألم ، فعثر عليه الإسبان فأعادوه إلى السجن،  حيث مكث أربعة أشهر ، ثم أطلقوا سراحه .
بداية المعارك :
قتل والده في معركة مع الإسبان سنة 1920م وقيل مات مسموماً ، فالله أعلم ، وابتدأ الأمير محمد سلسلة المعارك مع الإسبان وكان معه أخوه الذي نُفي معه فيما بعد ، وعمه عبد السلام ، حيث ابتدأهم بمناوشات أسفرت عن انتصاره وطرد الإسبان من حاميتين مهمتين ؛ بل كانت إحداهما ذات موقع استراتيجي فريد ، فغضب الإسبان وأرسلوا له جيشاً من ستين ألف جندي وطائرات وعتاد ضخم؛ لكنهم حذروا القائد العام للحملة من قوة الخطابي وبأسه ، فاستهزأ قائل اً: أنا ذاهب لأمسح حذائي في الريف ، وإسبانيا آنذاك ثالث قوة أوروبية ، وهي وسائر حليفاتها الأوروبيات قد انتصرت في الحرب العالمية الأولى ، مما جعل زهوها وغرورها يتضاعف .
نصر مؤزر :
ولما اقتربت الحملة من بلدة "أنوال" بالريف كمن لها الخطابي في قوة من ثلاثة آلاف فمزق جيش الإسبان تمزيقاً مدهشاً ، حيث قتل منهم ما يزيد على ثمانية عشر ألفاً ، وأسر الباقي حتى لم يسلم من الجيش سوى ستمائة فقط ، وغنم عشرين ألف بندقية ، وأربعمائة رشاش ، ومليون طلقة ، وطائرتين ، وتفرق القتلى على مساحة خمسة أميال ، ونصر الله عبده "الخطابي" نصراً عجيباً في وقت غريب ، في زمن لا يتوقع فيه أحد أن ينتصر المسلمون على جيش أوروبي مسلح بسلاح حديث ، لكن الحماسة الإيمانية الدافقة التي كانت في قلب الخطابي وجيشه ، ونَصْر الله تعالى له أولاً وآخراً قَلََب كل المعادلات ، وأخرس كل الألسنة ، وكان وقع الهزيمة في أوروبا مدوياً ، واستغل الخطابي الفرصة ، فطهّر الريف المغربي من الإسبان وحصرهم في "سبتة" و"مليلية" فقط وهذا باقٍ إلى يوم الناس هذا .
إمارة إسلامية :
وأقام إمارة إسلامية مساحتها 20.000 كم2 ، وسكانها قرابة نصف المليون وطبق فيها أحكام الإسلام ، ووطد دعائم الأمن ، وأنشأ المدارس والمستشفيات ، وأرسل البعثات إلى أوروبا ، وقلل جداً من حوادث الثأر بين القبائل حتى أن الرجل كان يلقى قاتل أبيه وأخيه في المعارك مع إسبانيا فلا يمسه بسوء ؛ وذلك لأن الخطابي عمل مجلس شورى لإدارة الإمارة من ثمانين من رجال القبائل وأوكل إليه إدارة الأموال الجزيلة التي حصل عليها من فداء أسرى الإسبان ، ومن الزكاة الشرعية التي يجمعها من رعيته ، وكان يحاول إفهام رؤساء القبائل مؤامرات إسبانيا وفرنسا ، وأنهما سبب كبير من أسباب تجهيل المغاربة ، وهذا حديث يسمعه أولئك للمرة الأولى ، فإنهم كانوا مشغولين بالثارات والقتال من أجل سفاسف الأمور ودناياها ، فتركوا الثأر بهذه الطريقة .
نظام تجنيد فريد وعمل نظام تجنيد فريد ، حيث أوجب على كل الذكور من سن 16 إلى 55 أن يتجندوا كل شهر خمسة عشر يوماً ويعودوا إلى وظائفهم وأهليهم خمسة عشر يوماً ، وهكذا دواليك كل شهر ، فضمن وجود الجند ، وضمن أيضاً حسن سير الإمارة واطمئنان الناس على أهليهم وأولادهم .
هذا كله عمله الخطابي في وقت كان المسلمون فيه في غاية من الضعف والهوان ليس بعده هوان ، لكنه استطاع وهو قاض شرعي أن يفاجئ الإسبان بطرق عجيبة في القتال ، فكان يحفر الخنادق ، ويباغتهم في جبال الريف حتى أن "هوشي منه" الشيوعي المشهور الفيتنامي الذي قاوم أمريكا مقاومة ضارية في الثمانينيات الهجرية وأوائل التسعينيات (الستينيات والسبعينيات الميلادية) كان "هوشي منه" يقول إنه استفاد من طريقة الخطابي .
تحالف أوروبا ضده :
وهنا اجتمعت أوروبا لتجهض الإمارة الناشئة التي لو بقيت لغيرت مسار التاريخ ، وسبب هذا أن الإسبان توجهوا سنة 1924م /1343هـ إلى "أجدير" عاصمة الخطابي في مائة ألف وحاصروه ثلاثة أسابيع ، فأظهر الخطابي ، ومن معه بطولات رائعة جداً ونادرة في وقت عزت فيه البطولة وانعدم النصر أمام الغرب في العصر الحديث ، واستطاع الخطابي ومن معه أن يقتلوا من الإسبان أربعة آلاف في أقل الروايات ، واضطر الجيش الإسباني للانسحاب ذليلاً إلى مدريد .
وهذه وقائع جرت في العصر الحاضر وهي لا تكاد تصدق ؛ لأن كل المعارك التي دخلناها مع الأوروبيين آنذاك كنا ننهزم فيها على وجه مهين ، أما أن ينهزم الإسبان الذين خرجوا ظافرين من الحرب العالمية الأولى على هذا الوجه فإن هذا يستدعي تحركاً من أوروبا ، فأرسل المارشال المتجبر المتكبر الفرنسي "ليوتي" الذي كان حاكماً في الجزائر آنذاك إلى فرنسا يقول لهم : إن انتصار العرب في الريف الإسباني وعلى سواحل البحر المتوسط يعني إنشاء إمبراطورية عربية إسلامية ، وفتحاً جديداً لأوروبا من قبل المسلمين ، وهذا أمر لا يمكن القبول به ، وبهذا التخويف دخلت فرنسا الحرب ضد الخطابي على رغم أنف البرلمان الذي كان معارضاً ، فاجتمعت إسبانيا وفرنسا عليه في جيش عدده زهاء نصف المليون ، وحاصر الأسطول الفرنسي الخطابي ، (والأسطول الفرنسي كان أعظم أسطول بحري في العالم آنذاك) وكانت الطائرات التي حاربته منتظمة في أربعة وأربعين سرباً وصارت تقذفه وجنده بأنواع القنابل وهو صابر محتسب في خندقه ، وأوقع بهم في أوقات خسائر جسيمة .
شهادة صحفي أمريكي :
وصبر الخطابي صبراً جميلاً حتى أن صحفياً أمريكياً كان موجوداً آنذاك في ساحة المعارك يتابعها وهو "فانسن شين" قال : دخلت على "عبد الكريم" في خندق أمامي ، والطائرات الإسبانية والفرنسية تقذف المنطقة بحمم هائلة فوجدته متبسماً مرحاً مقبلاً - الله أكبر ما أجمل وأحسن نفوس الصالحين - يضرب ببندقيته الطائرات ، فتعجبت من هذا الرجل الذي استطاع أن يحافظ على إيمانه وعقيدته في خضم الظروف المحيطة به ، وكنت أتمنى أن أمكث أكثر فأكثر مع هذا الرجل العظيم الذي تحيطه هالة من الوقار والجلال ، وأقارن به ساسة أوروبا التافهين المشغولين بأمور تافهة فلا أكاد أجد وجهاً للمقارنة ، وتمنيت أن أظل أكثر مما ظللت مع هذه الظاهرة البشرية الفريدة التي تأثرت بها أيما تأثر ، أرأيتم كيف يؤثر المسلمون الصادقون في الناس عامة ، وفي أعدائهم خاصة ؟
خطر عظيم :
ويقول "كورتي" عضو مجلس العموم البريطاني : إن هذا الرجل الذي ينادي باسمه أهل آسيا وأفريقيا والهند ، ويتغنون باسمه.. إن هذا الرجل الذي يزعم هؤلاء أنه يقاتل باسم الإسلام ويعيد إمارة المؤمنين والخلافة الإسلامية ، إنه لخطر عظيم على البلاد الأوروبية . هكذا كان يؤثر فيهم الخطابي الذي لا يعرفه ، ولم يسمع باسمه أكثر المسلمين اليوم ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
وكان المسلمون يستقبلون انتصارات الخطابي بدموع الفرح والاستبشار الشديد في الهند وعموم آسيا وأفريقي ا؛ وذلك أنه كان يجاهد أثناء وبعد إلغاء الخلافة العثمانية ، فكانوا يأملون عودتها على يديه .
لكن الكثرة الكاثرة تغلب الشجاعة ، فجيش عبد الكريم كان عشرين ألفاً فقط وهؤلاء مئات الآلاف ومعهم الطائرات وكل الأسلحة التي هزموا بها ألمانيا وإيطاليا والدولة العثمانية ، وخانت بعض الطرق الصوفية الخطابي ، حيث كانوا يوزعون منشورات تقول إن القتال معه ليس من الجهاد وخانه بعض رؤساء القبائل الذين اشتراهم الفرنسيون وكانوا ينهون شبابهم عن القتال مع الخطابي .
ولم يجد الخطابي الدعم من الدول العربية والإسلامية حيث كانت أكثر الدول العربية والإسلامية قد سقطت في قبضة الصليبيين أو الشيوعيين أو عملائهما فلم يجد مفراً من التسليم بعد أن بقي في مائتين فقط ، لكن كان التسليم تسليم الأبطال فقد بقي يفاوض للصلح زماناً طويلاً من منتصف سنة 1925 إلى منتصف سنة 1926ميلادية تقريباً 1345 هجرية ، أي سنة تقريباً وكان يرفض الاستسلام رفضاً باتاً ؛ لكنه لما استشار المائتين ممن بقوا معه أشاروا عليه بحقن الدماء ، فالطائرات كانت تقذف بالغازات السامة والقنابل ، وتقتل الرجال والنساء والأطفال ، فأشاروا عليه بعقد صلح مشرف والبقاء في البلد والاستعداد للقتال في أقرب فرصة .
الاستسلام :
وهنا لم يجد بداً من إمضاء الصلح ، لكن الفرنسيين واصلوا قذف القرى بالطائرات بعد التسليم ، فقال لهم عبد الكريم : سيكون من المدهش أن تصيب طائراتكم الرجال في هذه المرة ، إذ كانت العادة ألا تقتل إلا النساء ، إن حضارتكم حضارة نيران ، فأنتم تملكون قنابل كبيرة إذاً أنتم متحضرون ، أما أنا فليس لدي سوى رصاصات بنادق ، وإذاً فأنا متوحش وكان بهذا يستهزئ بهم،  ويقيم الحجة عليهم لأنهم كانوا يتهمونه بالبربرية والتوحش .
سبحان الله ما أشبه الليلة بالبارحة ، فدعاة الإسلام اليوم يتّهمون بالإرهاب قلباً للحقائق وتخذيلاً للمسلمين .
غدر فرنسي :
أوصى أتباعه بالاستمساك بالدين وعدم الركون إلى المستخربين المحتلين ، ولما سلَّم نفسه للفرنسيين بعد كتاب موثق للصلح وإبقائه في الريف خانوا عهدهم معه كعادتهم وكعادة كل (المستخربين) الذين سموا زوراً وبهتاناً ب(المستعمرين )، فنفوه إلى جزيرة "رينيون" في المحيط الهادي شرق مدغشقر لمدة إحدى وعشرين سنة .
وكانوا قد منعوا عنه في السنوات العشر الأولى كل وسيلة اتصال بالعالم الخارجي ، فحرموه من الجرايد والمجلات ومن كتبه التي أتى بها معه ، ثم سمحوا له بعد ذلك بها ، فقضى هذه المدة الطويلة في التأمل والذكر والدعاء والصلاة ، فسبحان الله كم يُصبّر عباده ؛ إذ لو كان غيره لأصابه الجنون أو أمراض نفسية مزمنة لكنه الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب فيصنع حينئذ ما يشبه المعجزات .
فرج بعد شدة :
ثم بدا لدولة الطغيان الفرنسية أن تعيده إلى فرنسا ، فأتت به سفينة من الجزيرة ومرت بعدن للتزود فتسامع الصالحون من اليمنيين والعراقيين والفلسطينيين في عدن بمرور سفينة الخطابي فأبرقوا لمصر ، وطلبوا من المكتب المغربي فيها أن يحتالوا لإنزال الخطابي من السفين ة، وكانت سفينة تجارية فدبر الأستاذ عبد الرحمن عزام الأمر وهو أول رئيس للجامعة العربية ، ومن العاملين نحسبه كذلك والله حسيبه، دبّره مع "الملك فاروق" ، وكان ذلك سنة 1947م ، وصعد برجال إلى السفينة وطلبوا من قائدها أن ينزل الخطابي لمقابلة الملك ، والسلام عليه هو وأخوه وعمه عبد السلام ، فانطلت الحيلة على القبطان ، وسمح بنزول الخطابي ، فأبقته مصر عندها ، وهنا قامت قيامة فرنسا وثارت لكن بعد فوات الأوان ، ومن الطريف أن فرنسا اتهمت مصر بالخيانة والغدر ، سبحان الله هم أهل الخيانة والغدر الذين نكثوا عهدهم مع الخطابي ونفوه إحدى وعشرين سنة .
علاقته بحسن البنا :
واتصل الخطابي بدعاة مصر وفضلائها وكبارها ، وعلى رأسهم الأستاذ الإمام حسن البنا يرحمه الله وأعجب به وبدعوته ، وداوم على الحضور إلى المقر العام للإخوان والصلاة خلف الإمام حسن البنا ,  ولما وصله خبر اغتياله بكى وقال : يا ويح مصر والمصريين ، مما سيأتيهم من قتل البنا ، قتلوا ولياً من أولياء الله ، وإن لم يكن البنا ولياً فليس لله ولي .
واتصل بمكتب المغرب العربي في القاهرة حيث عيّنوه رئيساً له ، وأخوه كان نائباً له ، وعمل مع أعضائه لتخليص بلادهم من الاستخراب الأجنبي البغيض ، وهكذا الداعية لا يفتر ولا يقعد ، فبعد إحدى وعشرين سنة من النفي والعزل عاد الأسد إلى عرينه ، واتقدت الشعلة التي أطفأها الطغيان ، واتصل بالمغاربة ، وبالحاج أمين الحسيني وجمعية الشبان المسلمين وجماعة الإخوان المسلمين .
وفاته :
ولما جاء الطاغية الهالك في انقلاب يوليو المشؤوم سنة 1952م بمصر فترت العلاقة بين الخطابي والثائرين ، وكيف يلتقيان وهؤلاء منهجهم الارتزاق من موائد الشيوعية والرأسمالية ، وطريقهم هو القهر والاستبداد ، وعملهم هو إفساد البلاد والعباد ، وهذا طريقه الجهاد في سبيل الله ، ومنهجه الإسلام ، وعمله دعوة في سبيل الله ؟ فكانت النتيجة أن أهمله المسؤولون المصريون وضيقوا عليه الخناق فمات يوم مات في 1 من رمضان 1382هـ/ 6من فبراير 1963م ، ولم تذكره وسائل الإعلام بكلمة ، ولم يؤبّن التأبين اللائق به ، لكن هكذا كل عظيم من الرجال يموت في هذا الزمان فقلما ينال ما يستحقه من إبراز لعمله ، وإظهار لمآثره ، وبيان لجهاده ودعوته ، لكن لا يضره أن العبيد أهملوه وملائكة السماء إن شاء الله استقبلوه ، ولا يؤثر فيه إهمال سيرته إذا كانت مكتوبة في الملأ الأعلى بحروف من نور بإذن العزيز الغفور .
ونحن لن نيأس أبداً إن شاء الله تعالى ففي الإسلام عشرات الآلاف من الأبطال من أمثال الخطابي ، وسيكون للإسلام دولة بإذنه تعالى على أيدي هؤلاء الأبطال ، (وّيّقٍولٍونّ مّتّى هٍوّ قٍلً عّسّى أّن يّكٍونّ قّرٌيبْا ) (الإسراء : 51) .





الشيخ محمد بن موسى الشريف

موقع التاريخ


وهنا محاضرتين للشيخ الشريف عن هذا المجاهد الأبي :
المحاضرة الأولى :

المحاضرة الثانية :


كان مع الفرس في قتال أبي عبيد بن مسعود الثقفي أمير الجيش في خلافة الصديق أفيلة كثيرة عليها الجلاجل، وقدّموا بين أيديهم فيلا عظيما أبيض، وصارت خيول المسلمين كلما حملت وسمعت حس الجلاجل نفرت.
 فأمر أبو عبيد المسلمين أن يقتلوا الفيلة فقتلوها عن آخرها، وتقدم أبو عبيد لهذا الفيل العظيم الأبيض فضربه بالسيف فقطع زلومه، فصاح الفيل صيحة هائلة، وحمل على أبي عبيد فتخبطه برجله ووقف فوقه فقتله.
 فحمل على الفيل شخص كان أبو عبيد أوصى أن يكون أميرا بعده فقتله، ثم آخر حتى قتل سبعة من ثقيف كان قد نص أبو عبيد عليهم واحدا بعد واحد.
 وهذا من أغرب الاتفاقيات والله أعلم.

( السيرة الحلبية 1-88 )

«كان يركبها رأس الملحدين، فليركبها رأس الموحِّدين»



عندما تقلَّد محمود بن سُبُكْتِكِين مقاليد السلطنة أظهر السُّنَّةَ وقمع الرافضة والمعتزلة، ومشى في الناس بسيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فكان : يُعظِّم المشايخ ويُقَرِّبهم ولا يستغنى عن مشورتهم.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولما كانت مملكة محمود بن سُبُكْتِكِين من أحسن ممالك بني جنسه؛ كان الإسلام والسُّنَّة في مملكته أعزَّ؛ فإنه غزا المشركين من أهل الهند، ونشر من العدل ما لم ينشره مثله، فكانت السُّنَّة في أيامه ظاهرة، والبدع في أيامه مقموعة.
وأعلن خضوع دولته الضخمة وتبعيتها لـ لخلافة العباسية ببغداد، وخطب للخليفة العباسي القادر بالله، وتصدَّى لمحاولات وإغراءات الدولة الفاطمية للسيطرة على دولته، وقام بقتل داعية الفاطميين التاهرتي، الذي جاء للتبشير بالدعوة الفاطمية ببلاد محمود بن سبكتكين، وأهدى بغلته إلى القاضي أبي منصور محمد بن محمد الأزدي وقال: «كان يركبها رأس الملحدين، فليركبها رأس الموحِّدين».


 المصدر : موقع قصة الإسلام


روى ابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه تعالى عنه قال: سافرت إلى اليمن قبل مبعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم بسنة، فنزلت على عثكلان بن عواكن الحميري، وكان شيخا كبيرا وكنت لا أزال إذا قدمت اليمن أنزل عليه فيسألني عن مكة وعن الكعبة وزمزم ويقول:
هل ظهر فيكم رجل له نبه له ذكر؟ هل خالف أحد منكم عليكم في دينكم؟
فأقول: لا.
حتى قدمت القدمة التي بعث فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فوافيته قد ضعف وثقل سمعه فنزلت عليه فاجتمع عليه ولده وولد وولده فأخبروه بمكاني فشدت عصابة على عينيه وأسند فقعد فقال لي: انتسب يا أخا قريش.
فقلت: أنا عبد الرحمن بن عوف بن عبد عدي بن الحارث بن زهرة.
قال: حسبك يا أخا زهرة ألا أبشرك ببشارة هي خير لك من التجارة؟
قلت: بلى.
قال: أنبئك بالمعجبة وأبشرك بالمرغبة، إن اللَّه تعالى بعث في الشهر الأول من قومك نبيا ارتضاه صفيا وأنزل عليه كتابا وجعل له ثوابا، ينهى عن الأصنام ويدعو إلى الإسلام يأمر بالحق ويفعله وينهى عن الباطل ويبطله.
 فقلت: ممن هو؟
قال: لا من الأزد ولا ثمالة، ولا من سرو ولا تبالة، هو من بني هاشم وأنتم أخواله، يا عبد الرحمن أحسن الوقعة وعجل الرجعة ثم امض وآزره وصدقه واحمل إليه هذه الأبيات:
أشهد باللَّه ذي المعالي ... وفالق الليل والصباح
إنك في السر من قريش ... يا ابن المفدى من الذباح
أرسلت تدعو إلى يقين ... يرشد للحق والفلاح
أشهد باللَّه رب موسى ... أنك أرسلت بالبطاح
فكن شفيعي إلى مليك ... يدعو البرايا إلى النجاح

قال عبد الرحمن: فحفظت الأبيات وأسرعت في تقضي حوائجي وانصرفت فقدمت مكة فلقيت أبا بكر فأخبرته الخبر.
فقال: هذا محمد بن عبد الله قد بعثه اللَّه رسول اللَّه إلى خلقه.
فأتيته في نفر في بيت خديجة فلما رآني ضحك وقال: أرى وجها خليقا أرجو خيرا ما وراءك؟
قلت: وما ذاك يا محمد؟
قال: حملت إلي وديعة أم أرسلك مرسل إلى برسالة هاتها.
فأخبرته وأسلمت فقال: أما إن أخي حمير من خواص المسلمين ثم
قال: «رب مؤمن بي ولم يرني ومصدق بي وما شاهدني أولئك إخواني حقا» .


________________________________________



 الكتاب: سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد (الجزء الثاني -190-191)
المؤلف: محمد بن يوسف الصالحي الشامي (المتوفى: 942هـ)

(( حتى الشسع ))


كثير من الناس لا يلجؤون إلى الله ، ولا يتضرعون إليه إلا إذا نزلت بهم عظائم الأمور وشدائدها من نحو المصائب الكبيرة كفقد الأحبة ، وخسارة الأموال الطائلة ، أو نزول الأمراض المستعصية ، وما جرى مجرى هذه الأمور .

أما ما عدا ذلك فلا يخطر ببالهم الدعاء ، والتضرع إلى الله ؛ لظنهم أنها أمور يسيرة لا تستدعي الانقطاع إلى الله .

ولا ريب أن ذلك خطأ يجدر بالمسلم تجنبه ؛ إذ اللائق به أن يعلق رجاءه بربه ، وأن يسأله كل صغيرة وكبيرة من أمره ؛ فتكدر الوالدين على الولد ، وسوء خلق الزوجة ؛ ونفور الأولاد ، وجفاء الأصحاب ، وتكاسل من يعمل تحت يد الإنسان ، وتعكس بعض الأمور عليه ، ونحو ذلك مما شاكله وجرى مجراه - كل ذلك من البلاء الذي يحتاج إلى دعاء وإنابة .

قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( سلوا الله كل شيئ حتى الشسع ، فإن الله - عز وجل - لو لم ييسره لم يتيسر )) .

والشسع : هو أحد سيور النعل ، وهو الذي يدخل بين الأصبعين ، ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل .

فقوله صلى الله عليه وسلم :
(( حتى الشسع )) : إشارة إلى أن ما فوقه أولى وأولى ، وأن الإنسان لا غنى له عن ربه - جل وعلا -

والمقصود من ذلك أن على العبد أن يتوجه إلى ربه في جميع حوائجه ؛ فالله - عز وجل - يحب أن يسأل ، ويرغب إليه في الحوائج ، ويلح في سؤاله ودعائه ، بل إنه - تبارك وتعالى - يغضب على من لا يسأله ، ويستدعي من عباده سؤاله ، وهو قادر على إعطاء خلقه سؤلهم من غير أن ينقص من ملكه شيئ ؛ فلا يحسن بالعبد -والحالة هذه- أه يدع الدعاء في دقيق أمره وجليله ،

وقد جاء في أثر إسرائيلي أن موسى - عليه السلام - قال :
(( يارب إنه لتعرض لي الحاجة من الدنيا ؛ فأستحيي أن أسألك إياها يارب )) .
فقال الله - تعالى - : (( ياموسى : سلني حتى محل عجينتك ، وعلف شاتك )) .


وكان بعض السلف - كما يقول ابن رجب - يسأل الله في صلاته كل حوائجه ، حتى ملح عجينته ، وعلف شاته .

ولقد أحسن الشيخ المكودي رحمه الله إذ يقول :

إذا عرضت لي في زماني حاجة

وقد أشكلت فيها علي المقاصد

وقفت بباب الله وقفة ضارع

وقلت إلهي إنني لك قاصد

ولست تراني واقفا" عند باب من

يقول فتاه : سيدي اليوم راقد



فإذا اعتاد الإنسان دعاء ربه ، وسؤاله كل شأن من شؤونه - كان حريا بالإجابة ، جديرا" بالعزة والكرامة .





المصدر : ارتسامات للشيخ محمد الحمد

خطر العلم مع قلة العمل



يقول الإمام بن الجوزي رحمة الله تعالى :
لما رأيت نفسي في العلم حسناً، فهي تقدمه على كل شيء وتعتقد الدليل، وتفضل ساعة التشاغل به على ساعات النوافل، وتقول: أقوى دليل لي على فضله على النوافل. أني رأيت كثيراً ممن شغلتهم نوافل الصلاة والصوم عن نوافل العلم، قد عاد ذلك عليهم بالقدح في الأصول، فرأيتها في هذا الاتجاه على الجادة السليمة والرأي الصحيح.
إلا أني رأيتها واقفة مع صورة التشاغل بالعلم، فصحت بها فما الذي أفادك العلم ؟. أين الخوف؟ أين القلق ؟ أين الحذر ؟.
أما سمعت بأخبار أخيار الأحبار في تعبدهم واجتهادهم ؟.
أما كان الرسول صلى الله عليه وسلم سيد الكل، ثم إنه قام حتى ورمت قدماه ؟.
أما كان أبو بكر رضي الله عنه شجي النشيج، كثير البكاء ؟.
أما كان في خد عمر رضي الله عنه خطان من آثار الدموع ؟.
أما كان عثمان رضي الله عنه يختم القرآن في ركعة ؟.
أما كان علي رضي الله عنه يبكي بالليل في محرابه حتى تخضل لحيته بالدموع ؟.
ويقول: يا دنيا غري غيري ؟.
أما كان الحسن البصري يحيا على قوة القلق ؟.
أما كان سعيد بن المسيب ملازماً للمسجد فلم تفته صلاة في جماعة أربعين سنة ؟.
أما صام الأسود بن يزيد حتى اخضر واصفر ؟.
أما قالت ابنة الربيع بن خيثم له ؟: ما لي أرى الناس ينامون وأنت لا تنام ؟. فقال: إن أباك يخاف عذاب البيات.
أما كان أبو مسلم الخولاني يعلق سوطاً في المسجد يؤدب به نفسه إذا فتر ؟.
أما صام يزيد الرقاشي أربعين سنة ؟ وكان يقول: والفاه سبقني العابدون، وقطع بي.
أما صام منصور بن المعتمر أربعين سنة ؟.
أما كان سفيان الثوري يبكي الدم من الخوف ؟.
أما كان إبراهيم بن أدهم يبول الدم من الخوف ؟ أما تعلمين أخيار الأئمة الأربعة في زهدهم وتعبدهم، أو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد.
احذري من الإخلاد إلى صورة العلم، مع ترك العمل به، فإنها حالة الكسالى الزمنى:
وخذ لك منك على مهلة ... ومقبل عيشك لم يدبر
وخف هجمة لا تقيل العثا ... ر وتطوي الورود على المصدر
ومثّل لنفسك أي الرعي ... ل يضمك في حلبة المحشر


__________________

صيد الخاطر 

" تولستوي عن محمد صلى الله عليه وسلّم "


الحمد لله الذي وفَّق من شاء من عباده للإنابة ، وهداهم لسبيل أهل البر والطاعة ، وحماهم عن سلوك أهل الزيغ والضلالة ، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وسلّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .


أما بعد ، قال سليمان عثمان بن شريف في أطروحته " شخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم عند علماء الألبان " ( ص 305 ) عند كلامه على كتب السيرة التي أُلِّفت أو تُرْجِمَت مِن قِبَل علماء الألبان :

تولستوي عن محمد صلى الله عليه وسلّم "، المؤلف : ليون نيكولايوتش تولستوي، المترجم : بهجت ياشاري، طُبِع سنة 2006 في أسكوب .

أُعجِب المؤلف ( أي تولستوي ) بالإسلام وبالنبي محمد صلى الله عليه وسلّم، وصرّح بذلك في كثير من المناسبات، وسُجِّلَت مواقفه تجاه الإسلام، سنة 1908 م قرأ كتاب " أحاديث محمد صلى الله عليه وسلّم " للمؤلف عبد الله السهراوردي الهندي، بعد القراءة تأثر بها فاختار بعضاً منها وجمعها في مؤلف، طبعها في نفس السنة .

من خلال الكتاب يُعَلِّم الشعب الروسي بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلّم التي تتكلّم فيها عن أمور اجتماعية مثل الفقر والعدالة ، وكيف عالجها النبي صلى الله عليه وسلّم ، يريد تولستوي أن يبيّن للناس أن الإسلام منبع العدالة والمساواة والأخوة والمحبة بين الناس ، وهذه هي روح نبي الإسلام .
كان الشعب الروسي يحترم تولستوي ويعرف فضله ، لذلك كان بإمكانه أن يؤثّر فيهم إذا أبدى موقفاً معيّناً ، لو أعلن إسلامه لتغيّر الرأي العام الروسي لصالح الإسلام وتوجّه نحوه ، لذلك حرصت المخابرات الروسية على إخفاء كتابه عن محمد صلى الله عليه وسلّم وعدم إعطائه أهمية ، إضافة إلى ذلك حرصوا على أن لا يُعاد طبعه ثانية .

قد سمّى الأحاديث المجموعة " أحاديث محمد التي لا توجد في القرآن " وصدر بهذا الاسم ، باعتبار أن العنوان غير لائق من الناحية العقدية تغيّر بعد ذلك إلى " محمد " صلى الله عليه وسلّم .
الكاتب معروف في الأوساط العلمية الألبانية ، وحتى عن قريب كان موضوعاً في البرامج الدراسية ضمن أشهر أدباء العالم ، لذلك كان جديراً بالمفكرين والطبقة العلمية أن يتعرّفوا على الحقائق التي هي جزء من حياته ولكن لم يطّلعوا عليها، يروا بأعينهم ماذا قال عن الإسلام ومحبته التي أبداها للنبي صلى الله عليه وسلّم وتعجّبه بأقواله .

طُبِعَ مع الكتاب وثائق تُثبِت صحة الكتاب ونسبته إلى مؤلفه وبعض الرسائل الأخرى . اهـ .
قال أبو معاوية البيروتي : كتاب " شخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم عند علماء الألبان " لسليمان عثمان هو عبارة عن أُطروحة أُعِدّت استكمالاً لمتطلبات درجة الدكتوراه في السنّة وعلوم الحديث في " جامعة الجنان " / طرابلس - لبنان سنة 1429 هـ / 2008 م  .

-------------------------------

ترجمة الأديب تولستوي من " الموسوعة العربية العالمية " :توْلستوي، لِيو (1828 - 1910م). 
كاتب روسي يُعد من أشهر الكتاب في العالم في مجال الأدب . تناول في كتاباته الأدبية مواضيع أخلاقية ودينية واجتماعية . وكان مفكرًا عميق التفكير . التحق بجامعة كازان عام 1844م ، ولكن طريقة التدريس لم تعجبه فهجرها إلى الأعمال الحرة عام 1847م . وبدأ بتثقيف نفسه ، وشرع في الكتابة .

وفي تلك المرحلة الأولى من حياته كتب ثلاثة كتب وهي الطفولة (1852م) ؛ الصبا (1854م) ؛ الشباب (1857م) . وسئم حياته تلك فالتحق بالجيش وشارك في بعض المعارك وكتب عن تجاربه تلك موضوعات نُشرت في الصحف ، وألَّف عنها كتابه القوقاز (1863م) .
وبعد تقاعده من الخدمة العسكرية سافر إلى أوروبا الغربية وأعجب بطرق التدريس هناك . ولما عاد لمسقط رأسه بدأ في تطبيق النظريات التربوية التقدمية التي عرفها ، وذلك بأن فتح مدرسة خاصة لأبناء المزارعين . وأنشأ مجلة تربوية تدعى ياسنايا بوليانا شرح فيها أفكاره التربوية ونشرها بين الناس .
ويُعد كتاب الحرب والسلام (1869م) من أشهر أعمال تولستوي ، ويتناول هذا الكتاب مراحل الحياة المختلفة ، كما يصف الحوادث السياسية والعسكرية التي حدثت في أوروبا في الفترة مابين 1805 و1820م . وتناول غزو نابليون لروسيا عام 1812م .
ومن أشهر كتبه أيضًا أنَّا كارنينا الذي عالج فيه قضايا اجتماعية وأخلاقية وفلسفية في شكل مأساة غرامية كانت بطلتها هي أنَّا كارنينا .

وقد تعمق تولستوي في القراءات الدينية ، وقاوم الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا ، ودعا للسلام وعدم الاستغلال ، وعارض القوة والعنف في شتى صورهما . ولم تقبل الكنيسة آراء تولستوي التي انتشرت في سرعة ، فكفرته وأبعدته عنها . وأُعجب بآرائه عدد كبير من الناس وكانوا يزورونه في مقره بعد أن عاش حياة المزارعين البسطاء تاركًا عائلته الثرية المترفة . ومن كتب تولستوي المشهورة أيضًا كتاب ماالفن ؟. وأوضح فيه أن الفن ينبغي أن يُوجِّه الناس أخلاقيًا ، وأن يعمل على تحسين أوضاعهم ، ولابد أن يكون الفن بسيطًا يخاطب عامة الناس .

وفي أواخر حياته عاد تولستوي لكتابة القصص الخيالية فكتب موت إيفان إيلييتش (1886م) ، كما كتب بعض الأعمال المسرحية مثل قوة الظلام (1888م) . وأشهر أعماله التي كتبها في أواخر حياته كانت البعث وهي قصة كتبها (1899م) وتليها في الشهرة قصة الشيطان (1889م) ؛ كريوتزسوناتا (1891م) ؛ الحاج مراد التي نُشرت بعد وفاته والتي توضح عمق معرفته بعلم النفس ، ومهارته في الكتابة الأدبية . وقد اتصفت كل أعماله بالجدية والعمق وبالطرافة والجمال .
__________________________________

القس المبشر دنلوب وتغريب التعليم في مصر

يعد "دنلوب" واضع المخطط الأساسي لتغريب التعليم والتربية وإقصاء الإسلام عن برامج التعليم في المدرسة المصرية، باعتبار أن التعليم وال...