عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف بن قصي. وأمه عاتكة بنت أبي وهب بن عمرو ابن عائذ بن عمران بن مخزوم .
قال: أخبرنا محمد بن عمر. قال: حدثني هشام بن عمارة.
عن أبي الحويرث. قال: أول قتيل قتل من الروم يوم أجنادين«1». برز بطريق معلم «2» يدعو إلى البراز. فبرز إليه عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب.
فاختلفا ضربات. ثم قتله عبد الله بن الزبير ولم يعرض لسلبه. ثم برز آخر يدعو إلى البراز. فبرز إليه عبد الله بن الزبير. فتشاولا «3» بالرمحين ساعة.
وصارا إلى السيفين. فحمل عليه عبد الله بن الزبير فضربه- وهو دارع «4» - على عاتقه وهو يقول: خذها وأنا ابن عبد المطلب. فأثبته وقطع سيفه الدرع وأسرع في منكبه. ثم ولى الرومي منهزما.
وعزم عليه عمرو ابن العاص أن لا يبارز. فقال عبد الله: إني والله ما أجدني أصبر. فلما اختلطت السيوف. وأخذ بعضها بعضا. وجد في ربضة «5» من الروم عشرة حجزة «6» مقتولا. وهم حوله قتلى وقائم السيف في يده قد غري «7» . فبعد نهار ما نزع من يده. وإن في وجهه لثلاثين ضربة بالسيف.
قال: محمد بن سعد: قال محمد بن عمر: فحدثت بهذا الحديث الزبير بن سعيد النوفلي فقال: سمعت شيوخنا يقولون: لما «8» انهزمت الروم بعد أجنادين. انهزموا عند العصر. فولوا في كل وجه. وعسكر المسلمون موضعا. فاجتمعوا فيه ونصبوا راياتهم. وبعثوا في الطلب وأن لا يمعنوا «9» قدر ما يرجع إلى العسكر قبل الليل.
وتفقد الناس حوامهم «10» وقراباتهم.
فقال الفضل بن العباس: عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب؟
فقال عمرو: انطلق في مائة من أصحابك فاطلبه.
فقال قائل: عهدي به في الميسرة وهو منفرد.
فانطلق الفضل في أصحابه في الميسرة نحوا من ميل أو أكثر.
فيجده مقتولا في عشرة من الروم قد قتلهم.
ويجد السيف في يده قد غري قائمه.
فما خلصوه إلا بعد عناء. ثم حفروا له وقبروه ولم يصل عليه. ثم رجعوا إلى عمرو فأخبروه فترحم عليه.
قال محمد بن عمر: وكان فتح أجنادين «11» يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وكان عبد الله بن الزبير يوم قبض النبي صلى الله عليه وسلم له نحو من ثلاثين«12» سنة ولا نعلمه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ولا روى عنه حديثا «13».
وكان رضي الله عنه ممن ثبت مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين هو والعباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وأبو سفيان بن الحارث وعقيل بن أبي طالب والزبير بن العوام وأسامة بن زيد رضي الله عنهم «14» .
وحكى المبرّد في «الكامل» أنّ عبد اللَّه بن الزّبير أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فكساه حلّة، وأقعده إلى جنبه، وقال: «إنّه ابن أمّي» ، وكان أبوه بي برّا.
ويقال: إنّ الزّبير بن عبد المطلب كان يرقص النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم هو صغير ويقول: محمد بن عبدم. عشت بعيش أنعم. في عزّ فرع أسنم «15».
وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول له-: ابن عمي وحبّي،
ومنهم من يقول: كان ابن أمي ولم يعقّب، قاله ابن قتيبة«16».
______________________________ __________________
(1) أجنادين: بفتح الدال- بلفظ التثنية- وبكسرها- بلفظ- الجمع- وهو موضع من نواحي فلسطين بين الرملة وبين بيت جبرين (معجم البلدان: 1/ 103) .
(2) معلم: هو الذي يجعل لنفسه علامة في الحرب (اللسان: 12/ 419) .
(3) تشاولا: تشاول القوم إذا تناول بعضهم بعضا عند القتال بالرماح (اللسان: 11/ 377) .
(4) أي الرومي لابس للدرع.
(5) ربضة: بكسر الراء وسكون الباء- الجماعة من الناس (اللسان: 7/ 149) .
(6) حجزة: أي مجتمع بعضهم إلى بعض (تاج العروس: 15/ 95) .
(7) غري: أي لصق مقبض السيف في يده من أثر الدم ويبست يده عليه. (لسان العرب: 15/ 121) .
(8) في تاريخ دمشق (ص: 372) ، لا، بدل لما.
(9) في نفس المصدر والصفحة، وألا يغنوا، وهو خطأ. ومعنى أمعن: تباعد. يقال: أمعنوا في بلد العدو وفي الطلب: أي وجدوا وأبعدوا (لسان العرب: 13/ 409) .
(10) في نفس المصدر، حرامهم، وهو محتمل ولكنها في مخطوطة ابن سعد حوامهم- بالواو بعد الحاء المهملة- والمراد ما حولهم في ميدان المعركة ومن يكون معهم من الأتباع والمعارف (لسان العرب: 12/ 162 مادة حوم) .
(11) هذا قول الواقدي. وذكره البلاذري في فتوح البلدان (ص: 121) دون إسناد. ثم قال: ويقال: لليلتين خلتا من جمادى الآخرة. ويقال: لليلتين بقيتا منه. وجمهور الرواة على أنها في شهر جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة. وبعضهم حددها بيوم السبت لليلتين بقيتا من جمادى الأولى. (انظر الأزدي فتوح الشام: ص 93، وتاريخ خليفة: ص 119) وتاريخ الطبري: 3/ 418. 419. وتاريخ دمشق: 1/ ل 236. 237. وأحمد عادل كمال. الطريق إلى دمشق (ص: 282) .
(12) ذكر هذا ابن عبد البر في الاستيعاب: 3/ 905. وابن الأثير في أسد الغابة: 3/ 241. ونسبه ابن حجر في الإصابة: 4/ 89 إلى الواقدي. وفي العقد الثمين: 5/ 140 قال: استشهد بأجنادين عن نحو ثلاثين سنة. ولسائل أن يقول: إذا كان هذا عمره يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. فما وجه إدخال ابن سعد له في الطبقة الخامسة من الصحابة؟ ومن المعلوم أنه حدد أصحاب هذه الطبقة بأنهم الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أحداث الأسنان ولم يغز أحد منهم معه. وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب لم يكن حدث السن وقت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كما توضحه الرواية وكما يدل عليه اشتراكه في معركة أجنادين. وبهذه الصفة من المبارزة والإثخان في العدو. ولعل ابن سعد نظر إلى كونه لم يغز مع النبي صلى الله عليه وسلم كما نص على ذلك. ولكن هل كل من لم يغز مع النبي صلى الله عليه وسلم يدخل في هذه الطبقة وإن كان كبيرا في السن؟ لقد نقل الحافظ في الإصابة: 4/ 89 عن الزبير بن بكار من طريق حسين بن علي قال: كان ممن ثبت يوم حنين العباس وعلي وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب وغيرهم. قال الحافظ: وكذا قال الواقدي وابن عائذ وأبو حذيفة. قلت: فإن كان محفوظا أنه اشترك في حنين. فلا يكون من أهل الطبقة الخامسة. وبمراجعة السيرة النبوية بتهذيب ابن هشام: 2/ 443 نجد ابن إسحاق ينص على أسماء الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين من أهل بيته فلا يذكر منهم ابن الزبير هذا. وابن إسحاق أوثق وأعلم بالسيرة من هؤلاء الذين ذكرهم ابن حجر. وصنيع ابن سعد في جعله من الطبقة الخامسة يؤكد ما ذهب إليه ابن إسحاق والله أعلم.
(13) ابن سعد (ت: 230هـ): الجزء المتمم لطبقات ابن سعد [الطبقة الخامسة في من قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهم أحداث الأسنان] 2 / 26-27-28-29
تحقيق: الشيخ محمد بن صامل السلمي
(14) ابن منظور (ت: 711هـ): مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 12 / 168-169
(15) ابن حجر العسقلاني (المتوفى: 852هـ): الإصابة في تمييز الصحابة 4/ 78
(16) الصالحي (ت: 942هـ): سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد 11 / 140